كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

وفاح من قبره عقيب دفنه رائحة عظيمة جدا (أ) كالمِسك أو أقوى، ودامت أياما، وانثال الناسُ على قبره يأخذون من ترابه لشدة رائحته التي لا يجدون مثلها عندهم، وتسمى البلد بخرنتك -وكان اسمه غير ذلك- لضيقه بالزائرين، لأن معنى "خرنتك" بالفارسية: الضيق.
ولم يعقب البخاري أحدًا من الأولاد، وقد رزقه الله ما هو أعظم وأجلّ من تخليف الولد الصالح من شهرة "صحيحه" وانتفاع الأمة به في جميع أقطار الإسلام.
مسلم (¬1): هو الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم بن كوشاذ، القُشَيْرِيّ من بني (¬2) قُشَيْر قبيلة من العرب معروفة، أحد أئمة أعلام هذا الشأن، وكبار المبرزين فيه، والرحالين في طلبه إلى أئمة الأقطار، المُجْمَع على تقدمه فيه على أهل عصره كما شَهِد له بذلك إماما وقهما حِفْظًا وورعا وحديثا أبو زُرعة وأبو حاتم.
سمع من مشايخ البخاري وغيرهم كأحمد، وروى عنه جماعة من كبار أئمة عصره وحُفاظه، ومنهم مساويه درجة كأبي حاتم الرازي والترمذي وابن خزيمة، وله المؤلفات الجليلة الكبيرة لا سيما "صحيحه" الذي امتن الله به على المسلمين وأبقى له به الثناء الحَسَن الجميل إلى يوم الدين، فإنَّ مَنْ اطلع على ما أودعه في أسانيده وترتيبه وحُسْن سياقه وبديع طريقته من نفائس التحقيق وأنواع الورع التام والاحتياط والتحري في الرواية وتلخيص الطرق واختصارها متفرقة وكثرة اطلاعه، عَلِمَ أنه إمام لا يُلْحَق، وفارس لا يُسْبَق.
¬__________
(أ) في هـ: رائحة عظيمة جدا عقيب دفنه.
__________
(¬1) تذكرة الحفاظ 2/ 588، تهذيب التهذيب 10/ 126، 128، تاريخ بغداد 13/ 100، سير أعلام النبلاء 12/ 557.
(¬2) قال الذهبي: لعله من موالي قشير سير النبلاء 12/ 558.

الصفحة 28