كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 1)

وقد ورد أيضًا من حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماءُ قلتين من قلال هجر" (¬1)، وفي إسناده المغيرة بن صقلاب (¬2) وهو منكر الحديث.
ويؤيده من جهة النظر صحة التقدير بقِلَال "هَجَر" (¬3) أنه أكثر استعمال العرب لها في أسفارهم وورد أيضًا في حديث المعراج (¬4) التشبيه بها فدل على أنها مشهورة متبادرة عند الإطلاق.
وورد الاعتذار الثاني بالمعارضة بما رواه أبو داود أنها (أ) غير جارية، وأن قدرها عرضا ستة أذرع، وماؤها متغير، وبما ذكره البَلَاذُرِيّ، وهذا الذي مر من الخلاف في الماء الراكد.
وأما الجاري فالإِمام يحيى (¬5) وغيره: هو كالراكد في التنجيس، إذ لم تفصل أدلة تنجيس القليل، وقال المنصور بالله وأحد قولَي الشافعي (¬6): الجري كالكثرة لنفوذه عن النجاسة وعدم استقراره، فلا يتلوث بها بخلاف الراكد، ولاستنجاء السلف في الأنهار القليلة، والراكد الفائض كالجاري على الأصح، ويحتج على طهارته بروايةٍ في صحيح مسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه" (¬7)، فإن مفهوم الصفة يقضي بأن الراكد الجاري غير داخل في النهي، وما ذاك إلا لعدم تنجيسه.
¬__________
(أ) في هـ: وأنها.
__________
(¬1) الكامل لابن عدي 6/ 2357.
(¬2) المغيرة بن صقلاب الجزري.
قال ابن حجر: هو منكر الحديث، وقال العقيلي: لم يكن مؤتمنًا على الحديث، وقال ابن عدي: لا يتابع على عامة حديثه. التلخيص 1/ 29، الكامل 6/ 2357، الضعفاء للعقيلي 4/ 182.
(¬3) هَجَر: -بفتح أوله وثانيه- مدينة، وهي قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر، وقيل: هجر قُرب المدينة، وقيل: إنَّ القلال عُملت بالمدينة على مِثل قلال هجر. معجم البلدان 5/ 393.
(¬4) أُخرج البخاري عن حديث مالك بن صعصعة أن نبي الله حدثه ... وفيه: "فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفِيَلَة .. " البخاري 7/ 201 - 202 ح 3887.
(¬5) البحر 1/ 33.
(¬6) البحر 1/ 33، شرح مسلم 1/ 557.
(¬7) صحيح مسلم 1/ 235 ح 95 - 282.

الصفحة 67