كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: المقدمة)

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي أوضح المحجة إلى معالم الإِسلام، وأبان لعباده طرق الحلال والحرام، وهداهم بسنة نبيه محمد - صَلَّى الله عليه وسلم - إلى ما أوصلهم إلى بلوغ المرام، وبصرهم بكيفية استنباط الأحكام، واصطفى صفوة من عترة نبيه وصحابته وتابعيهم بإحسان لتحمل الشريعة الغراء يذودون عن مواردها المبتدع من الأنام، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، شهادة لأجلها أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وشرع شريعته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النَّبيُّ الأُمي المبعوث بالكلم الجوامع والألفاظ الروائع، المؤيد بالدلائل القواطع، الذي شنف بحديثه المسامع، وتزينت بإملائه المجامع صَلَّى الله عليه وعلى الله وأصحابه الساطعة أنوارهم، المقتفين لأثره، فلا يحوم حول ذلك قاطع، الذين جعلهم نجومًا يهتدى بهم في معالم الهدى، ومصابيح يكشف بهم ظلم الشَّك عمن اقتدى، فهم وسائل النجاة في المشتبهات، المشار إلى رفع قدرهم بقول الله -عز مِنْ قائل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
وبعد فإنَّه لما كان العلم أشرف ما تحلى به الوجود، وأعز ما أنعم الله به على عباده من الجود، نوه سبحانه بفضل من تحمل بأن جعلهم شاهدين على وحدانيته وأفردهم بحصر خشيته عليهم، فأجزل عطاءهم بتخصيصهم في رفيع ذكره وأورثهم المقام العالي لأنبيائه وأفضل خلقه، وكان أفضل ذلك وأولاه بهذا المقام هو العلم المقتبس من مشكاة النبوة التي لا يطفأ نورها ولا تأفل نجومها وشموسها، وكان ذلك العلم الشريف يحتاج المنتفع به إلى تمييز الصَّحيح من السقيم وسلوك طريق

الصفحة 32