كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 1)

يتعصبون عَلَى من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق بِهَذَا ظنا مِنْهُم أَن الْقَائِل بذلك لَا يشْتَرط النُّطْق فِي الِاعْتِدَاد بِهِ وَهُوَ تعصب صادر عَن عدم الْمعرفَة بِمذهب الْقَائِلين بِهَذَا القَوْل
وَمن هَؤُلَاءِ أَبُو مُحَمَّد بْن حزم الظَّاهِرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْملَل والنحل ذهب قوم إِلَى أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ معرفَة اللَّه بِالْقَلْبِ فَقَط وَإِن أظهر الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة أَو سَائِر أَنْوَاع الْكفْر بِلِسَانِهِ وعبادته فَإِذا عرف اللَّه بِقَلْبِه فَهُوَ مُسلم من أهل الْجنَّة وَهَذَا قَول جهم بْن صَفْوَان وَأبي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ الْبَصْرِيّ وأصحابهما انْتهى
وَهَذَا ابْن حزم رجل جري بِلِسَانِهِ متسرع إِلَى النَّقْل بِمُجَرَّد ظَنّه هاجم عَلَى أَئِمَّة الْإِسْلَام بألفاظه وَكتابه هَذَا الْملَل والنحل من شَرّ الْكتب وَمَا برح الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا ينهون عَن النّظر فِيهِ لما فِيهِ من الإزراء بِأَهْل السّنة وَنسبَة الْأَقْوَال السخيفة إِلَيْهِم من غير تثبت عَنْهُم والتشنيع عَلَيْهِم بِمَا لم يقولوه وَقد أفرط فِي كِتَابه هَذَا فِي الغض من شيخ السّنة أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَكَاد يُصَرح بتكفيره فِي غير مَوضِع وَصرح بنسبته إِلَى الْبِدْعَة فِي كثير من الْمَوَاضِع وَمَا هُوَ عِنْده إِلَّا كواحد من المبتدعة
وَالَّذِي تحققته بعد الْبَحْث الشَّديد أَنه لَا يعرفهُ وَلَا بلغه بِالنَّقْلِ الصَّحِيح معتقده وَإِنَّمَا بلغته عَنهُ أَقْوَال نقلهَا الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ فصدقها بِمُجَرَّد سَمَاعه إِيَّاهَا ثمَّ لم يكتف بالتصديق بِمُجَرَّد السماع حَتَّى أَخذ يشنع

الصفحة 90