كتاب طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (اسم الجزء: 1)

انسحب عَلَى الظَّوَاهِر وَأعْرض عَن ضمائر الْقُلُوب فَوَقع من حالق الْحق إِلَى حضيض الْبَاطِل وَخرج عَن قضايا الْمَعْقُول وتبرأ مِنْهُ الْمَنْقُول فَلَا هُوَ عَلَى الْحق وَلَا هَؤُلَاءِ
وَالرَّابِع أَنه كل طَاعَة فرضا كَانَت أم نفلا وَهُوَ رَأْي الْخَوَارِج وَإِلَيْهِ ذهبت طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة مِنْهُم القَاضِي عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الَّذِي يلقبونه قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ رجلا محققا وَاسع النّظر
وَالْخَامِس أَنه الطَّاعَة الْمَفْرُوضَة دون النَّافِلَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخَيْنِ أَبِي عَلِيّ الجبائي وَابْنه أَبِي هَاشم عَبْد السَّلَام وَكَانَا من أساطين الاعتزال وَلَهُمَا الطَّامَّات الْكُبْرَى والفضائح فِي الْمذَاهب السافلة ومعهما عَلَى هَذَا الْمَذْهَب كثير من معتزلة الْبَصْرَة
وَالسَّادِس أَنه إِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة وَهَذَا الْمَذْهَب يعزى إِلَى عَبْد الله بن سعيد ابْن كلاب وَكَانَ من أهل السّنة عَلَى الْجُمْلَة وَله طول الذيل فِي علم الْكَلَام وَحسن النّظر وَلم يَتَّضِح لي بعد شدَّة الْبَحْث انْفِصَال مذْهبه عَن مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ التَّصْدِيق فَإِن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة يَسْتَدْعِي سبق الْمعرفَة
فَإِن قَالَ أَنا لَا أسمي نفس الْمعرفَة إِيمَانًا وَإِنَّمَا أسمى الْإِقْرَار بهَا مَعَ التَّلَفُّظ إِيمَانًا وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من وجودهَا
قُلْنَا لَهُ أجهدت نَفسك فِي غير عَظِيم
وَإِن قَالَ لم أقل إِقْرَار بالمعرفة وَإِنَّمَا قلت نفس الْمعرفَة مَعَ إِقْرَار اللِّسَان بمضمونها
قُلْنَا لَهُ فَهَذَا الْآن مَذْهَب الْجَمَاعَة فبماذا تعرف وعلام تحوم
فَإِن قَالَ لفظ اللِّسَان قد يكون إِقْرَارا وَقد يكون إنْشَاء
قُلْنَا هَذَا الْإِنْشَاء لَا يُنَافِي الْإِقْرَار فَإِنَّهُ إِخْبَار فِي الْحَقِيقَة عَمَّا انطوى عَلَيْهِ الضَّمِير

الصفحة 95