كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)
من في خطه على جميع دورها، وأخذها من أربابها بأي وجه، وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع (1) إلى إذلال المسلمين؛ لأنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم وأعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير إنكار، ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلاً (2).
ومن البديهي بعد أن قد أحاط محمد علي نفسه ببطانة من اليهود والنصارى، أن يعتمد عليهم كثيرًا، وأن يسند إليهم عددًا كبيرًا من المناصب الهامة في الدولة، ومع ذلك فلولا خوفه وخشيته من إثارة المسلمين وتألبهم عليه لاعتمد عليهم بالكلية ولأسند إليهم جميع المسئوليات والناصب دون مواراة.
وهذا ما عبر عنه محمد علي بنفسه حين هلك كاتب الخزينة في عهده وكان رجلاً نصرانيًّا يدعى عبود النصراني، وكان محمد علي يحبه ويثق فيه ويقول عنه: لولا الملامة لقلدته الدفتردارية (3).
والملامة التي كان يخشاها محمد علي هي جزء من بقايا هذه العقيدة الطيبة في نفوس المسلمين من بغض للكفار ومعاداتهم تجعل الباشا المفتون بهؤلاء الكفار يتوقف بعض الشيء في ولائه السافر لهم، وفي نقل خطوات مسيرته التغريبية بالأمة (4).
ومع ذلك فإن هؤلاء الكفار كانوا يشكلون مراكز الثقل في دولة محمد علي، وخصوصًا في المجالات المهمة كالشئون المالية والتعليمية والعسكرية،
__________
(1) يعني الضرائب والمكوس الحدثة.
(2) المصدر السابق (3/ 623).
(3) الصدر السابق (3/ 602). والدفتردار وظيفته إدارة الشئون المالية وضبط الخراج والدخل وبيده سجلات ملكية الأرض. وكانت وظيفتة تشبه وظيفة وزير المالية. "تاريخ الحركة القومية" (1/ 21).
(4) أما في زماننا هذا فقد خفت صوت هذه العقيدة إلا عند قلة من الناس.
الصفحة 15
672