كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)

تقديره لها.
وقد أصبحت مصر في عهد محمد علي وبالذات القاهرة محط نزول الكافرين من كل جنس، وذلك باستدعائه لكثير منهم، وفتحه المجال أمام استثماراتهم وتجاراتهم، مما جعل البلد تضيق بالسكان، وتغص بالقادمين من الكفار الذين ضايقوا المسلمين في معايشهم حتى إن الإنسان ليقاسي الشدة والهول إذا مر بالشارع من الازدحام الشديد، وبالإضافة إلى طوائف اليهود والنصارى فقد استدعى أعدادًا غفيرة من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم من الفرق الخارجة عن الإسلام (1)
وحق لمدينة مثل القاهرة التي لم يكن يتجاوز طولها في ذلك الوقت الخمسة كيلو مترات أن تكتظ بهؤلاء الكافرين الذين تسابقوا إليها من كل حدب وصوب.
وفي تلك الفترة التي نقوم بدراستها كانت تكثر الاضطرابات، وتشيع الفتن والمصادمات، خصوصًا بسبب ثورات العسكر المتلاحقة لقطع المرتبات وغير ذلك، وكان الشعب هو الضحية لتلك الثورات المحمومة.
وفي إحدى تلك الثورات العسكرية التي نهبت فيها الأسواق، وحطمت خلالها الحوانيت. أراد المسلمون في أثنائها أن يحصنوا بعض الحارات النافذة ويقوموا بإغلاقها حتى يقطعوا الطريق على جموع العساكر الهائجة ولكن كتخدا الباشا (2) منعهم من ذلك، في نفس الوقت الذي كان محمد علي يمد فيه النصارى بالبارود وآلات الحرب، بعد أن أتموا تحصين جهاتهم على أكمل وجه (3)، وهذه الواقعة تغني عن أي تعليق، وتدل على مدى العلاقة المريبة
__________
(1) "عجائب الآثار" (3/ 568). ِ
(2) الكتخدا بمعنى: نائب الوالي. انظر "الحركة القومية" (1/ 21).
(3) "عجائب الآثار" (3/ 487). ومما ينبه عليه أن هذه الثورة العسكرية العارمة كانت بسبب=

الصفحة 17