كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)
في الخفاء بين محمد علي ونائبه من جانب وبين النصارى من جانب آخر.
وحين قام محمد علي بإجراء واسع النطاق لهدم الدور والمساكن التي بها شيء من الخلل، كانوا يأمرون صاحب البيت الذي تم الكشف عليه بهدمه ثم تعميره، وإن كان يعجز عن ذلك فإنه يؤمر بإخلائه، ويعاد بناؤه على طرف الميري (1) وتصير من حقوق الدولة فهدمت مئات الدور التي كان يملكها أو يسكنها المسلمون.
أما النصارى فلنستمع إلى كلمة الجبرتي في ذلك حيث قال: وأما نصارى الأرمن وما أدراك ما نصارى الأرمن الذين هم أخصاء الدولة الآن فإنهم أنشؤوا دورًا وقصورًا وبساتين بمصر القديمة .. فهم يهدمون أيضًا وينقلون لأبنيتهم ما شاءوا ولا حرج عليهم، وإنما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من أهل البلدة فقط (2).
وعندما تولى الحسبة رجل يدعى مصطفى كاشف أراد أن يعيد الكفار إلى حالتهم التي كانوا عليها قبل مجيء محمد علي إلى سدة الحكم، فأمر مناديه بمصر القديمة أن ينادي على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها والمطلة على النيل، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق، وعدم ركوبهم الخيول والبغال
__________
= محاولة محمد علي إدخال ما يسمى بالنظام الجديد في الجيش الذي لا يعني سوى نقل النظام الأوربي الأفرنجي برمته إلى مصر. ومن الغريب في الأمر آن محمد علي قد قام بتعويض المنهوبين مع شدة ظلمه وذلك خشية اجتماع الأهالي مع العسكر ضده -كما يقول الجبرتي- في وقت هو في أشد الحاجة لكسب الناس لتنفيذ خطواته التغريبية، والأغرب من ذلك مواكبة هذا العمل التغريبي في مصر لعمل تغريبي آخر في تركيا كان يتولاه السلطان محمود الثاني مما يدل على أن المخطط واحد وإن اختلف المنفذون.
(1) الميري: الدولة وهي عامية محرفة عن كلمة الأميري.
(2) المصدر السابق (3/ 521).
الصفحة 18
672