كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)
والراهوانات الفارهة واستخدامهم المسلمين.
ولكن محمد علي قطع الطريق على هذا الإصلاح، وأمر بكف هذا المحتسب بعد أن تم زجره وتأنيبه، وذلك بعد أن تقدم أعاظمهم إليه بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة كما يقول الجبرتي (1).
ويمتد حبل الموالاة والمودة للكافرين في عهد محمد علي إلى شيء آخر له خطورته البالغة، وهو فتحه البلاد على مصراعيها لأفواج النصارى الصليبيين للبحث والتنقيب، واكتشاف الآثار، ودراسة الأماكن دراسة دقيقة بل ومساعدته لهم وتذليله الصعاب في طريقهم (2).
وإذا تجاوزنا هدفهم الرئيسي لتلك العمليات والتنقيب، وهو وضع أيديهم على مراكز الثروة، ودراستهم للمواقع دراسة تخطيطية، مما أفادهم ولا شك في احتلال مصر فيما بعد عام 1882 م خصوصًا إذا علمنا أن كثيرًا من هؤلاء المنقبين كانوا من الإنجليز.
فإن هناك أهدافًا أخرى قد تفوق ما ذكرناه خطورة لم يفطن لها كثير من الباحثين وندع الكلام لأحد المستشرقين ليكشف لنا هذه الأهداف البعيدة.
يقول ذلك المستشرق في كتابه "الشرق الأدنى؛ مجتمعه وثقافته": "إننا في كل بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات .. " (3).
وعلى ضوء ما سبق من أهداف نستطيع أن نفسر اهتمامات هؤلاء
__________
(1) المصدر السابق (3/ 566).
(2) المصدر السابق (3/ 571، 617).
(3) انظر "واقعنا المعاصر" (ص 202).
الصفحة 19
672