كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)

عامًا لا يصيبون من الحكومة إلا مائتي قرش في الشهر، وهو قدر ضئيل يناله خريج مدرسة خصوصية حديث العهد بالوظائف، ثم هي تبخل عليهم بعد هذا ببضعة قروش تضيفها إلى مرتباتهم.
أما مكاتب المبتديان (1) فقد كان نظارها من علماء الأزهر .. وكان المشايخ من الأزهر وما إليه هم القائمون بالتدريس في مكاتب المبتديان .. وكان مرتب الواحد منهم أربعين قرشًا في الشهر أي بزيادة عشرة قروش على مرتب (الحلاق) أو الخياط .. وكان كاتب المكتب يصيب من المرتب أكثر مما يصيبه المعلم بعشرين قرشًا وكان يحمل الحكومة على هذا ما ذكرنا من أنها كانت تعلم أن أهل الأزهر لم يكونوا يصيبون فيه إلا أجرًا ضئيلاً أن كانوا قومًا زاهدين، لا يغرنهم متاع الحياة الدنيا" (2).
وما ذكر من تبرير ساقط لا يمكن أن يخفي أبدًا مقدار البغض والاحتقار الذي كان يكنه محمد علي للأزهر ورجاله.
وإن كان الإنجليز فيما بعد قد نهجوا نفس السياسة في احتقار الأزهريين وبخسهم مرتباتهم وحقوقهم، وفي إقصائهم عن مجالات التوظيف (3).
فليس ذلك بمستغرب منهم، ولكنا نستغرب أشد الاستغراب أن يقوم
__________
(1) يعني: الابتدائية. والمبتديان لفظة تركية معناها "المبتدئون" بزيادة الألف والنون على الطريقة التركية مثل مجلس المبعوثان أي المبعوثين.
(2) المصدر السابق (ص 575). لا شك أن الأجواء الموبوءة بالتصوف هي التي أوحت إلى محمد علي ورجال دولته إلى التعلل بمثل هذا الهراء الساقط للنيل من الأزهر ورجاله الذين كانت تعصف بهم رياح التصوف وأمواجه حين كان الفقر والحرمان: الإعراض عن الدنيا تمامًا منزلة يتسابق الناس إليها. ووجد هؤلاء التغريبيون المجال رحبًا للسخرية بهؤلاء الأزهريين الذين يعملون عندهم طلبًا للأجر في الأخرة، وراضين بما تلقيه الحكومة لهم من فتات.
(3) "واقعنا المعاصر" (ص 217).

الصفحة 26