كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)
وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي إضعاف مفهوم "البراء والولاء، ودار الحرب ودار الإسلام" إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء، لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب، ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم -بحجة أن التعاون مع الكفار ليس محرمًا من كل وجه- ودعوته إلى التقريب بين الأديان.
حقيقة أن الراي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوى الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه، لا سيما في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات.
ويليها في الخطورة فتواه حول إباحة الربا بطريق صناديق التوفير معتمدًا -كما يرى العقاد- على مفهوم الآية من أنه لا يحرم من الربا إلا الأضعاف المضاعفة!
وأخيراً فإن الشيخ -بقصد أو بدون قصد- قد أوجد القاعدة التي ارتكز عليها من يسمون دعاة الاصلاح (1) للتعلق بأذيال الغرب وإقصاء الإسلام عن توجيه الحياة، إذ ظلوا ينقضون عرى الإسلام عروة عروة حتى أن المعركة الآن أصبحت تدور ضد قانون الأحوال الشمخصية وهو البقية الضئيلة من آثار الشريعة الإسلامية والميزة الأجتماعية التي تميز المسلم من غيره.
لم يكن محمد عبده علمانيًا ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي واتخذها جسرًا عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في
__________
(1) من الإنصاف أن نذكر أن الشيخ ندم على طريقته في الإصلاح مفضلاً عليها تطبيق التربية الفردية، انظر كتاب العقاد "الإسلام في القرن العشرين" (ص 147).
الصفحة 88
672