كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (اسم الجزء: 1)

قال الشيخ محمد عبده:
"ما الذي صنع محمد علي؟ .. لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت. كان معظم قوة الجيش معه، وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة، فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه، ثم يعود بقوة الجيش ويحزّ آخراً على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه، وهكذا. حتى إذا سحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة، فلم يدع منها رأسًا يستتر فيه ضمير (أنا). واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين. وتكرر ذلك منه مرارًا حتى فسد بأس الدين. وزالت ملكة الشجاعة منهم. وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها، فلم يُبق في البلاد رأسًا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه، أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه.
أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى، كأنه كان يحن لشبه فيه ورثه عن أصله الكريم، حتى انحطّ الكرام، وساد اللئام، ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه، فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفسي، ليصيّر البلاد المصرية جميعًا إقطاعًا واحدًا له ولأولاده، على أثر إقطاعات كثيرة كانت لأمراء عدّة ".
ثم يقول:
"إن محمد علي قد ملأ مصر بالأجانب والدخلاء، يستعين بهم على إقرار نفوذه، وأذلّ المصريين بإطلاق يد هؤلاء الدخلاء فيهم، يحكمون على هواهم، لا هدف لهم إلا مرضاة الأمير صاحب الإقطاع الكبير".
ثم ينفي عنه ما يُنسب إليه من إصلاح، بل ينسب إليه قتل كل روح

الصفحة 9