كتاب السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة (اسم الجزء: 1)

(اللَّهم العن عتبة بن ربيعة .. وشيبة بن ربيعة .. وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء) (¬1).
تأثر النبي -صلى الله عليه وسلم - بهذا الشوق والحنين .. وأخذته الشفقة بأصحابه وبالمدينة التي تسكن قلبه عندما سمع شكوى حبيبته عائشة التي تقول:
(ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - ما سمعت منهم وقلت: إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى فقال -صلى الله عليه وسلم -:
"اللَّهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وبارك لنا في مدها وصاعها، وانقل وباءها إلى مهيعة (¬2) " (¬3).
وفي ليلة من تلك الليالي المحمومة كان -صلى الله عليه وسلم - في فراشه وعيناه نائمتان .. في تلك الليلة رأى شيئًا مخيفًا ومفرحًا في منامه .. فبشر به أصحابه وبشر به المدينة وقال:
(رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة .. فأولتها: أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة وهي الجحفة" (¬4) .. وارتحل الوباء .. وارتحلت الحمى عن أبي بكر وبلال وعن عامر بن فهيرة ليعودوا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مع المهاجرين والأنصار ويكحل عينيه بهم .. لكن تلك المجالس الطيبة تفتقد إلى أحد عظماء الأنصار .. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم - لا يعيش في أبراج بعيدًا عن أصحابه .. إنه منهم وبينهم يصافحهم ويبتسم في وجوههم .. يمشي في أسواقهم .. ويأكل من طعامهم .. ويزورهم في منازلهم .. ويسأل عن
¬__________
(¬1) حديث صحيح. رواه البخاري (سيرة ابن كثير 2/ 315).
(¬2) الجحفة.
(¬3) جزء من حديث ابن إسحاق السابق وهو حسن.
(¬4) حديث صحيح. رواه البخاري والبيهقيُّ (2/ 568).

الصفحة 332