كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 1-2)

يكون الرجاء والخوف للإنسان أي حال الصحة بمثابة جناحي الطائر، وذلك أنه أشار إلى مقام الخوف بذكر الأسماء الثلاثة، والرجاء بالاسم الأخير والحكمة في المبالغة في المقام الأول أن من شأن النفس - لا سيما عند عدم رياضتها - الميل إلى المخالفات والمنهيات، فصدّر بذكر ما يدل على مقام الخوف، والتحذير من بطشه سبحانه ليكون قائداً للعبد إلى أبواب مولاه وإحسانه وسبباً للانزجار عن المخالفات (مكور الليل على النهار) قال الواحدي في «الوسيط» : أي يدخل هذا على هذا، والتكوير:
طرح الشيء على الشيء، واكتفى بذكر تكوير الليل عن ذكر مقابله وإنما اقتصر عليه لشرفه، لأنه موسم الخيرات للسالكين ومحل الاشتغال بالذكر والصلاة والمناجاة مع رب العالمين (تذكرة) مفعول له علة للتكوير أو حال منه (لذوي القلوب) أي لأصحاب القلوب العظيمة (والأبصار) في مفردات الراغب: البصر يقال للجارية الناظرة وللقوة التي فيها ولقوة القلب المدركة، ويقال لها بالمعنى الأخير بصيرة أيضاً اهـ. وعلى كل فالعاطف هنا من عطف المغاير: أما على الأولين فواضح، وأما على الأخير فإن البصر والبصيرة اسمان لقوة القلب المدركة لا للقلب، وأتى به دون البصائر ليكون اللفظ شاملاً لكل ذلك بناء على مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه، من جواز استعمال المشترك في معانيه ومراعاة للسجع المستلذ في السمع (وتبصرة) هو كالتبصير مصدر لبصر المضاعف كقدم تقدمة وتقديماً (لذوي الألباب) جمع لب: أي العقول ويجمع على ألب كبؤس على أبؤس، ونعم على أنعم. قال في «القاموس» : ويجمع على ألبب. (والاعتبار) والمراد منهم الذين يتفكرون في الآلاء ويعرفون أنها لم تخلق عبثاً وأن له سبحانه في كل مغنى معنى، وما أحسن قول من قال:

لا تقل دارها بشرقي نجد
كل دار للعامرية دار
ولها منزل على كل ماء
وعلى كل دمنة آثار
فيستدلون بالآثار على عظيم الاقتدار، ويعرفون بما يرد عليهم من الأحوال أنه لهم بذلك متعرف (الذي أيقظ) أي نبه من سنة الغفلة، ففيه استعارة مكنية يتبعها استعارة تخييلية شبه الغفلة بالنوم بجامع انتفاء الكمال في كل منهما، وقد ورد في الحديث: «مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت» .
والتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات الإيقاظ الذي هو من لوازم المشبه به استعارة تخييلية (من خلقه) أي:

الصفحة 26