كتاب دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (اسم الجزء: 1-2)

مخلوقاته، وهو بيان لمن في قوله: (من اصطفاه) من الصفوة بتثليث الصاد وهو الخلوص: أي اختاره (فزهدهم في هذه الدار) أي في الدنيا يعني: لما أيقظهم أدركوا حقيقة الدنيا وأنها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء فزهدوا فيها وأعرضوا عن زهراتها، وأخذوا منها قدر الضرورة، وجعلوا ما وصل إليهم من ذلك من غير تطلع إليه مقدماً بين أيديهم وعند مولاهم ذخيرة (وشغلهم) بتخفيف الغين المعجمة وتشديدها للمبالغة (بمراقبته) أي بدوام نظر أنه سبحانه وتعالى ناظر لأعمالهم محيط بأقوالهم وأفعالهم فأقبلوا على إحسان العمل، وحفظوا أنفسهم من الزيغ والزلل، إذ لا يقع العصيان إلا مع الغفلة المعترية للإنسان (ومداومة) وفي نسخة وإدامة (الافتكار) أي: التفكر في مصنوعاته والاستدلال بذلك على ألوهيته وعظيم قدرته، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض} (آل عمران: 190 - 191) - الآية. وفي الحديث: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله» وجاء بلفظ: «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون قدره» وفي الحديث أيضاً مرفوعاً كما في «الكشاف» : «بينما رجل مستلق في فراشه إذ رفع رأسه إلى النجوم وإلى السماء فقال: أشهد أن لك رباً وخالقاً، اللهم اغفر لي، فنظر الله إليه فغفر له» . فقال: «لا عبادة كالتفكر» وقيل: الفكرة تذهب الغفلة، وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع والنبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفكرة» .
وقد روي: «أن يونس عليه السلام كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض» قالوا: وإنما كان ذلك للتفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب، لأن أحداً لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض. انتهى ما في «الكشاف» . قال ابن عباس وأبو الدرداء: فكرة ساعة خير من قيام ليلة. قال السريّ السقطي: ساعة خير من عبادة سنة، ما هو إلا أن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الجنة، كذا في شرح رسالة ابن أبي زيد لداود: (وملازمة الاتعاظ) أصله الإيتعاظ بياء تحتية ساكنة بعد الهمزة المكسورة وبعدها تاء الافتعال فقلبت الياء تاء فوقية وأدغمت في تاء الافتعال على القاعدة في ذلك: أي: أنهم كلما نزل بهم فقد شيء من مال أو إنسان اتعظوا بذلك ونظروا إلى أن مآل الجمع الفناء، وأن ما نزل بأخيك كأنه قد نزل بك. فالسعيد من اتعظ بغيره وأقبل على ما فيه في المعاد أنواع خيره (و) ملازمة (الادكار)

الصفحة 27