كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

ولعل تقدير المرزوقي لديوان الحماسة وولوعَه بما ورد فيه من مقطّعات يؤكد ما أجمع عليه النقاد من أن حماسة أبي تمام جمعت أبدعَ وأهمَّ المقطّعات الشعرية مثلما جمع الضبي في مفضلياته أَعلَى القصائد روعة وإبداعاً. وهذا التقدير بل هذه النظرة المتميّزة عند المروزقي لاختيارات أبي تمام هي التي حملته على شرحه وتفسيره لها، كما أنها حدت به إلى التنويه بصنيعه، والتنبيه فيه على أصول النقد، مما اعتمده المتخيّرون للنظم: مقطعاته وقصائده، وفق المنهج العلمي الذي عرفه أهل اللسان بفضل علمهم وإحاطتهم بأحكام اللغة وأسرارها، ودربتهم وممارستهم لفن القول. فذهب يقول: "هذا الكتاب وإن عظم حجمه وكثُر ورقه، فإنه لا يُمَلُّ تصفُّحهُ وقراءتُه، إذ كان كل باب من أبوابه ذا فنون من آثار العقول الصحيحة والقرائح السليمة، ولأن غوامض المقاصد إذا تبرّجت لك في روائع المعارض، وأقبل فهمك رائداً لقلبك، يتشمّم نوادر الزهر في مغارس الفطن، ويتخيّر فرائد الدرر من قلائد الحكم، فكلما ازداد التقاطاً زادك نشاطاً".
وأحسب المرزوقي في هذه الفقرة يعني شيخنا، لما سخّر له نفسه من تدريس هذا الكتاب وشرحه سنوات عدّة بجامع الزيتونة الأعظم، ولما علّق به على مقدمته من تعاليق مفيدة، جمعت الفرائد إلى الشوارد، وهيأت لدارس شرح المرزوقي أصولاً ومعارف، وجوانب نقدية وبلاغية، وصوراً رائعة من فنون النظم والنثر ألمع إليها المؤلف واختارها لتكون عند دارسي الأدب من مقوّمات الثقافة الأدبية والنقدية. وربما تأكدت الصلة بين شارح الديوان وشارح المقدمة لما التزماه واتفقا عليه من آراء وأفكار، واعتمداه من أصول وأنظار، تُكسِب القلوبَ استجلاء، والنفوس مَيْلًا واستحباباً. وقد

الصفحة 652