كتاب المنهاج في شعب الإيمان (اسم الجزء: 1)

فصل
وكل ما ذكرت من الأوقات والأحوال والمواطن فإنها أسباب تقوي الرجاء بالله جل ثناؤه، وفي إجابة الدعاء، لأن الدعاء لا يقبل إلا عندها، فمن عرضت له حاجة في غيرها، فلا ينبغي له أن يمتنع من الدعاء خيفة الرد، بل يدعو قوي الرجاء، حسن الظن بالله تعالى، فإنه يستجيب دعاءه بجودة وكرمه.
فصل
إن قال قائل: إذا كان الله تعالى قد قدر التقادير ودبر الأمور وميز السعداء من الأشقياء، وأجرى العلم بمن هو صائر إلى الجنة أو صائر إلى النار، فما فائدة الاجتهاد في العبادات. ما نقول له؟ فإن قال: العبادات مأمور بها وإنما على العبد الطاعة والتدبير إلى الله تعالى. قيل له: فإن إحدى العبادات الدعاء وهو مأمور به، وسئل العبادات يسمعوا ويطيعوا ويدعو الله تعالى في الشدة والرخاء والتدبير إلى الله تعالى.
وإن قال: إنما ينبغي الاجتهاد في العبادات لأنه قد أبان أن المطيع يدخل الجنة والعاصي يدخل النار، فكل يجتهد برجاء أن يدخل الجنة قيل، وقد أمر بالدعاء، وقال حكاية عن نبي من أنبيائه عليهم السلام أنه قال: {لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا الثوم الكافرون} وقال: {ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع غضب الله عليه". فينبغي للعبد أن يدعو أو يرجو إنجاح حاجاته من الله تعالى، فإنه إن لم يفعل كان إما قانطا وإما مستكبرا، وكل واحد من الأمرين موجب للغضب.
ويقال له: أليس العبد وإن اجتهد فقد كان ممكنا أنه يجتهد أن يدخله الجنة بفضله فما معنى الاجتهاد؟
فإن قال: يجوز أن يكون عند الله تعالى انه إن اجتهد ثبته بالقول الثابت في الحياة

الصفحة 540