كتاب حقيقة البدعة وأحكامها (اسم الجزء: 1)

ففي مسند الإمام أحمد، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن نفراً كانوا جلوساً بباب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج، فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان، فقال: "بهذا أمرتم، أو بهذا بعثتم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما ههنا في شيء، انظروا الذي أمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا) .
وفيه بالسند نفسه أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع آية، وهذا ينزع بآية، فذكر الحديث.
وهذا الذي حدث بين بعض الصحابة - عليهم رضوان الله - شذوذ يؤكد القاعدة ولا ينفيها، وأمر عارض اقتضته الحكمة الإلهية، ليكون منه التأديب والتعليم، والتشريع إلى قيام الساعة.. ولذلك فإننا نرى أن الصحابة - عليهم رضوان الله - لما قامت فتنة القدرية، كانوا مصابيح الهداية في ظلمات الشبهات، التي علقت بأذهان بعض الناس.
وفي العهد النبوي بعد الهجرة، ظهرت بعض البذور الخبيثة لبعض البدع لكنها لم تكن ظاهرة على السطح، أو بارزة للعيان، ولم تكن قد اتخذت مساراً فكرياً أو عملياً واضحاً.. وإنما كانت بمثابة اعتراضات سطحية جانبية لم تشكل عمقاً، ولم تكن ذات بال، ولولا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنها

الصفحة 91