كتاب نوادر الأصول في أحاديث الرسول (اسم الجزء: 1)

ثمَّ قَالَ {قل إِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم يخْتَص برحمته من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم} وَقَوله وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما
فَقَوله أعطيهم من حلمي وَعلمِي أَي أعطيهم النُّور فِي قُلُوبهم فتنشرح لَهُ صُدُورهمْ وتتسع فَهُوَ حلمه وأصل الْحلم إتساع الْقلب والصدر بالأمور فَكلما دخل الصَّدْر فكرة أَمر ذاب فِيهِ وانهضم كَمَا ينهضم الطَّعَام فِي الْمعدة فاتسع الصَّدْر للأمور وصلحت وَطَابَتْ فَكل طَعَام لَا ملح فِيهِ فَلَا طعم لَهُ وكل أَمر لَا حلم لَهُ فِي الْقلب فَلَا يَتَّسِع لَهُ وَلَا تَجِد النَّفس طعم ذَلِك الْأَمر فتلفظه فَإِذا لفظته ضَاقَ الصَّدْر فَإِذا ورد النُّور على الْقلب اتَّسع الصَّدْر لذَلِك الْأَمر فَمِنْهُ تخرج محَاسِن الْأَخْلَاق وَالْأَفْعَال وَهُوَ قَوْله عز من قَائِل {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه}
والحلم وَالْملح يرجعان إِلَى معنى وَاحِد وكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة أحرف تسْتَعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نَوعه
وَأما قَوْله وَمن علمي فَإِنَّهُ لما ورد النُّور على قُلُوبهم صَارُوا فِي الْعلم بِاللَّه تَعَالَى وبأسمائه الْحسنى بِحَيْثُ سبى قُلُوبهم وَصَارَت قُلُوبهم مُتَعَلقَة بِذكرِهِ فاحتشت صُدُورهمْ من الْحِكْمَة وفهموا عَن الله تَعَالَى فصاروا أبرارا أتقياء فُقَهَاء وَلَو تَركهم على قسمهم وحظهم فِي آخر الْأُمَم من الَّذِي قدر لجَمِيع الْأُمَم من الْحلم وَالْعلم وَالرَّحْمَة لكَانَتْ

الصفحة 152