كتاب نوادر الأصول في أحاديث الرسول (اسم الجزء: 1)

والأغنياء خوف السَّلب مَعَهم وَالْأَصْحَاب خوف السقم مَعَهم فَهَذِهِ مخاوف مظْلمَة تورد على الْقلب مغمات كسحائب متراكمات تغور فِي جوفها من الْحر وَمَعَ تِلْكَ السحائب حر مؤذ وذباب كلما ذب آب وبراغيث يمنعن بَعضهنَّ عَن الرقاد
فَهَذِهِ صفة قلب المتنزهة بنزهة الدُّنْيَا فالسحائب مَعَاصيه وَالَّذِي يغور فِي جوفها إصراره على الْمعاصِي وَالْحر المؤذي شهواته الَّتِي تغلي فِي صَدره والذباب مناه كلما قضى نهمته من شَيْء عَادَتْ الْأُخْرَى والبراغيث تنافسه فِي دُنْيَاهُ وَفِي أَحْوَال دُنْيَاهُ وثاب إِلَيْهَا فَإِذا لم يصل إِلَيْهَا رجعت عَلَيْهِ بحزازة فعضته وَهُوَ الْحَسَد والغيرة والبغضة وَالْبخل وَالشح فَأَي قلب هَذِه صفته يتهنى بِنِعْمَة من نعم الدُّنْيَا فَلَا يغرن عَاقِلا ظَاهر فَرَحهمْ
كَمَا رُوِيَ عَن الفضيل بن عِيَاض أَنه قَالَ ذل الْمعْصِيَة وَالله فِي قُلُوبهم وَإِن دقدقت بهم الهمالج أَبى الله إِلَّا أَن يذل أهل مَعْصِيَته فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقطع تِلْكَ المراجيح وَكره لَهُم أَن يتزيوا بزِي من اشْترى الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة فَلَا خلاق لَهُ هُنَاكَ مَعَ أَن الْخطر فِي ذَلِك غير قَلِيل فَرُبمَا انْقَطع الْحَبل فاندق الْعُنُق فَصَارَ معينا على نَفسه فَأَما الَّذِي يرخص فِيهِ للتداوي لمريض ضَاقَ بعلته صَدره أَو للصبيان يعللون بِهِ فَذَاك لَهُم كالمهد يرج فِيهِ حَتَّى يذهب بِهِ النّوم لِأَن الطِّفْل لَا يعقل مَا يصلح لَهُ وَلَا يصبر على الضجعة حَتَّى يَأْخُذهُ النّوم كَمَا يصبر الْكَبِير

الصفحة 160