كتاب نوادر الأصول في أحاديث الرسول (اسم الجزء: 1)

فالرسل بعثوا إِلَى الْخلق بِحمْل الْأُمُور وَمَعْرِفَة التَّدْبِير فِي الْأُمُور وَكَيف وَلم وكنه الْأُمُور عِنْدهم مَكْنُون قد أفشى الله من ذَلِك إِلَى الرُّسُل من غيبه مَا لَا يحْتَملهُ عقول من دونهم وبفضل النُّبُوَّة قدرُوا على احْتِمَاله
فالعلم إِنَّمَا بَدَأَ من عِنْد الله تَعَالَى إِلَى الرُّسُل ثمَّ من الرُّسُل إِلَى الْخلق فالعلم بِمَنْزِلَة الْبَحْر فأجري مِنْهُ وَاد ثمَّ أجري من الْوَادي نهر ثمَّ أجري مِنْهُ جدول ثمَّ من الْجَدْوَل إِلَى ساقية فَلَو أجري إِلَى الْجَدْوَل ذَلِك الْوَادي غرقه وأفسده وَلَو مَال الْبَحْر إِلَى الْوَادي لأفسده وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي تَنْزِيله الْكَرِيم أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا
فبحور الْعلم عِنْد الله تَعَالَى فَأعْطى الرُّسُل مِنْهَا أَوديَة ثمَّ أَعْطَتْ الرُّسُل من أَوْدِيَتهمْ أَنهَارًا إِلَى الْعلمَاء ثمَّ أَعْطَتْ الْعلمَاء إِلَى الْعَامَّة جداول صغَارًا على قدر طاقتهم ثمَّ أجرت الْعَامَّة إِلَى أَهَالِيهمْ وَأَوْلَادهمْ ومماليكهم سواقي بِقدر طاقتهم وَمن هَهُنَا مَا رُوِيَ فِي الْخَبَر أَن لله سرا لَو أفشاه لفسد التَّدْبِير وللأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام سرا لَو أفشوه لفسدت نبوته وللملوك سرا لَو أفشوه لفسد ملكهم وللعلماء سرا لَو أفشوه لفسد علمهمْ وَإِنَّمَا يفْسد ذَلِك لِأَن الْعُقُول لَا تحتمله فَلَمَّا زيدت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي عُقُولهمْ قدرُوا على احْتِمَال النُّبُوَّة وزيدت الْعلمَاء فِي عُقُولهمْ وَبِذَلِك نالوا الْعلم فقدروا على احْتِمَال مَا عجزت الْعَامَّة عَنهُ
وَكَذَلِكَ عُلَمَاء الْبَاطِن وهم الْحُكَمَاء زيدت فِي عُقُولهمْ وَبِذَلِك نالوا الْعلم فقدروا على احْتِمَال مَا عجزت عَنهُ عُلَمَاء الظَّاهِر أَلا يرى أَن كثيرا من عُلَمَاء الظَّاهِر دفعُوا أَن تَنْقَطِع الوسوسة من الْآدَمِيّ فِي صلَاته ودفعوا أَن يكون لَهُ مشي على المَاء أَو تطوي لَهُ الأَرْض أَو يهيأ لَهُ رزق من غير وُجُوه الْآدَمِيّين حَتَّى أَنْكَرُوا عَامَّة هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي جَاءَت فِي مثل هَذِه

الصفحة 234