كتاب ذيل طبقات الحنابلة - لابن رجب - ت العثيمين (اسم الجزء: 1)

كثر الناس من لفظ الحقيقة والمجاز: المعاني والحقائق دون الألفاظ.
فإذا قيل: إنَّ هذا مجاز فهموا أنه ليس تحته معنى، ولا له حقيقة، فينكرون ذلك، وينفرون منه. ومن أنكر المجاز من العلماء فقد ينكر إطلاق اسم المجازة لئلا يوهم هذا المعنى الفاسد، ويصير ذريعة لمن يريد جحد حقائق الكتاب والسنة ومدلولاتهما.
ويقول: غالب من تكلم بالحقيقة والمجاز هم المعتزلة ونحوهم من أهل البدع، وتطرفوا بذلك إلى تحريف الكلم عن مواضعه، فيمنع من التسمية بالمجاز، ويجعل جميع الألفاظ حقائق، ويقول: اللفظ إنْ دل بنفسه فهو حقيقة لذلك المعنى، وإن دل بقرينة فدلالته بالقرينة حقيقة للمعنى الآخر، فهو حقيقة في الحالين. وإن كان المعنى المدلول عليه مختلفا فحينئذ يقالُ: لفظ اليمين في قوله سبحانه وتعالى: " والسّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينهِ " ٣٩: ٦٧، حقيقة. وهو دَالٌ على الصفة الذاتية. ولفظ اليمين في الحديث المعروف: " الحَجَرُ الأسوَدُ يَمِينُ اللهِ في الأَرْضِ. فَمَنْ صَافَحَهُ فَكَأَنما صَافَح اللهَ عز وَجلَّ ".
وقيل: يمينه يُرادُ به - مع هذه القرائن المحتفة به - محل الاستلام والتقبيل. وهو حقيقة في هذا المعنى في هذه الصورة، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلا، بل دلالته على معناه الخاص قطعية لا تحتمل النقيض بوجهٍ، ولا تحتاج إلى تأويل ولا غيره.

الصفحة 385