كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ الحَافِظُ أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بْنِ إبراهيم بن المُغِيرَةِ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى آمينَ

1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْي إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَقَوْلِ الله جل ذِكْرُهُ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] [فتح: 1/ 8]
قال المصنف رحمه الله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أي: أبتدئ أو أؤلِّفُ؛ إذْ كلُّ فاعلٍ يبدأُ في فعلِه ببسم الله يُضمِرُ ما جعلَ التسميةَ مبدأ له (¬1)، كما أنَّ المسافرَ إذا حلَّ أو ارْتحلَ، فقالَ باسمِ الله كان المعنى: باسم الله أحلُّ، أو بسم الله أرتحل. والباءُ للمصاحبةِ (¬2)؛ ليكونَ ابتداءُ التأليفِ مصاحِبًا لاسم الله تعالى المتبرك بذكره. وقِيلَ: للاستعانةِ، نحو: كتبتُ بالقلمِ. والاسْمُ مشتقٌّ مِنَ السُّموِّ (¬3)، وهو: العُلُوُّ، وقيلَ: مِنَ
¬__________
(¬1) اختلف النحاة في المتعلّق في البَسْمَلة فبعضهم يجعله فعلًا -وعليه المصنف- والمعنى: أبتدئ ببسم الله وعليه يكون الجار والمجرور في محل نصب مفعول به مقدم وبعضهم يجعله اسمًا، والمعنى: ابتدائي ببسم الله، وعليه يكون الجار والمجرور متعلقًا بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف.
(¬2) المصاحبة والاستعانة من معاني الباء، وقد وصل بعضهم بمعاني الباء إلى ثلاثة عشر معنًى جمعها في قوله:
بالباءِ أَلْصِقْ، واسْتَعِنْ، أو عَدٍّ، أو ... أَقْسِمْ، وبَعِّضْ، أو فَزِدْ، أو عَلِّلِ
وأَتَتْ بمعنى مَعْ، وفي، وعلَي، وعنْ ... وبها فَعَوِّضْ، إن تشا، أو أبْدِلِ
(¬3) هذا مذهب البصريين. انظر: "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" ص 6.

الصفحة 63