كتاب منحة الباري بشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

التكلُّمِ إلا الغيبة.
ووجه الاستدلال بالحديث للترجمة: أن الامتشاط إذا كان لغسل الإحرام هو سنة فلغسل الحيض الذي هو فرضٌ أولى، والأمر بالنقض مستعمل في حقيقته ومجازه؛ لوجوبه إن لم يصل الماء إلى باطن العقد، وندبه إن وصل، أو محمول على إذا لم يصل؛ لقول الجمهور: لا يجب النقض بل الواجب إيصال الماء لأصول الشعر، أخذًا من حديث أم سلمة: إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للجنابة؟ قال: "لا، إنما كان يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات" (¬1) مع أن هذا الحديث محمولٌ على ما إذا وصل الماءُ إلى باطن العقد.
قال النووي (¬2): فإن قلت: صحت الروايات عن عائشة أنها قالت: لا نرى إلا الحجَّ ولا نذكر إلا الحج، وخرجنا مهلين بالحجِّ. (¬3) فكيف يجمع بينها وبين قولها: تمتعت بعمرة (¬4)؟ قلت: الحاصل: أنها أحرمت بالحجِّ ثم فسخته إلى عمرة حين أمر الناس بالفسخ، فلما حاضت وتعذَّر عليها إتمام العمرة أمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحجِّ، فأحرمت به فصارت مدخلة للحجِّ على العمرة وقارنة؛ لقوله لها: "يسعك طوافك لحجِّك وعمرتك" وقوله لها: "دعي أو أمسكي عن
¬__________
(¬1) رواه مسلم (330) كتاب: الحيض، باب: حكم ضفائر المغتسلة، وابن خزيمة 1/ 122 (246) كتاب: الوضوء، باب: إفاضة الماء على الميامن قبل المياسر وابن حبان 3/ 471 كتاب: الطهارة، باب: الغسل.
(¬2) "صحيح مسلم بشرح النووي" 8/ 138 - 139.
(¬3) سيأتي برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء إذا نفست.
(¬4) سيأتي برقم (316) كتاب: الحيض، باب: امتشاط المرأة ثم غسلها من المحيض.

الصفحة 640