ويجوز أن يريد إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤْتَمَّ به، أي: ليقتدى به في جميع أفعاله، وفي نسخة غير مصححة: وإنما (ق 154) جعل بالواو لكنها غير معتبرة، إذا صلى أي: الإِمام قائمًا فصلوا قيامًا، أي: ذو قيام أو قائمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وهذا يدل على المشاركة، كما قال به الشافعي، في قول لا على المقاسمة. كما قال به علماؤنا، لكن لهم دليل آخر، ويدل هذا بأن المراد به: مجرد المشاركة في القول مع قطع النظر عن المقول، وإن صلى أي: الإِمام قعودًا أي: قاعدًا كما في نسخة، أي: سواء كانت بعذر أو بغير عذر، كما هو الظاهر المتبادر، لكن قرينة الحال تفيد تقييده بالضرورة في حق الإِمام، وإطلاقه في حق المأمومين، فصلوا قعودًا أي: أنتم كذلك، أجمعين، بالباء مجتمعين، وليحيى أجمعون بالواو.
وقال الرافعي: هكذا رواه أكثرهم، وهو: تأكيد الضمير في فصلوا، ورواه آخرون أجمعين على الحال.
وفي (الموطأ) ليحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شاكِ على وزن قاضٍ من الشكاية، وهو: المرض، فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جُعلَ الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فاجلسوا" (¬1).
وفي سندٍ آخر ليحيى في (الموطأ) لمالك عن هشام بن عروة عن أبيه، وقد أرسله مالك، وأسنده جماعة عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من بيتي في مرضه فأتى المسجد، فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس، فاستأخر أبو بكر، فأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كما أنت، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر، أي: يتعرفون منه ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، لضعف صوته عن أن يُسمع الناس تكبير الانتقال، فكان أبو بكر يسمعهم ذلك، ذكره السيوطي (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه: مالك (307).
(¬2) انظر: تنوير الحوالك (1/ 119).