كتاب المهيأ في كشف أسرار الموطأ (اسم الجزء: 1)

له: ما سمعت ما قال الله في سورة المطففين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 - 3]، أي: ينقصون شيئًا حقيرًا من حقوق الناس، أراد تعالى هذا الوعيد للتجار، وقصد المطففين بما يفعلون الوعيد الأعظم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك، وأنت تأخذ أموال الناس بلا كيل، وتقتلهم، هلا تخاف يومًا يقوم الناس لرب العالمين، فقتله سنة خمس وتسعين، ثم مات الحجاج، فرآه رجل في منامه فسأله عن حاله، وأجاب قال: إني قد قبضت روحي على الإِيمان، والحمد لله الملك المنان، ولكن قتلوني مرة لأجل كل رجل قتلته، وقتلوني سبعين مرة بسبب قتل سعيد بن جبير، فالآن أنا مترقب إلى عفوه تعالى، فعلم عن هذا كرامة سعيد بن جبير عند ربه، وذلك إذا قام كأنه وتد، وكان يبكي الليل حتى غشي عليه، وسمع يردد هذه الآية بضعًا وعشرين مرة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، وكان يختم في كل ليلتين، وكان يخرج في كل سنة مرتين: مرة للحج، ومرة للعمرة، قال: لدغتني عقرب، فأقسمت أمي عليَّ أن أسترقي فأعطيت الراقي يدي التي لم تُلدغ، وكرهتُ أن أحنثها، وكان له ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة حتى أصبح، فلم يصل تلك الليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته، فلم يُسمع له صوت بعدها، فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها، قال: إن الخشية أن تخشى الله، حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر.
قال معاوية بن إسحاق: لقيته فرأيته ثقيل اللسان، فقلت له في ذلك، فقال: قرأتُ القرآن البارحة مرتين ونصفه وقرأ القرآن في ركعة في الكعبة، وقرأ في الثانية (ق 258) بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وطلع عليه ابنه عبد الله، وكان به من الفقه، فقال: إني لأعلم خير حاله، قيل: وما هي: قال: أن تموت فأحتسبه، وقيل: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترع من الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله.
ولما أخذه الحجاج قال: لا أرى إلا مقتولًا وسأجزكم كنت وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الذكر، ثم سأل الله الشهادة فكلا صاحباي رزقنا، وإني أنتظرها، فكأنه رأى أن الإِجابة عند حلاوة الدعاء، ودعا ابنه ليقتل فجعل ابنه يبكي، فقال لابنه: ما يبكيك ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة، ولما أَتى به الحجاج قال: أنت الشقي بن

الصفحة 495