كتاب زهر الأكم في الأمثال والحكم (اسم الجزء: 1)

الأشياء، بل لا مرية من إنّه لابد من أن يقدم إليه أحد " ينطق به بادئ بدء كما تقول: إنّ قولهم كحاطب ليل أوّل من قاله اكثم بن صيفي، وقولهم: امنع من عقاب الجو أوّل من قاله عدي بن نصر اللخمي في الزباء وهكذا غيرهما، سواء علمنا نحن ذلك أم لا، لأن هذا شأن الوجه الثاني أيضاً. قاله الأول في شيء كان ذاك مورده فتشبه به مضاربه، ولا فرق في أن التشبيه في هذا صريح دون القسم الثاني. وها هنا نظر في أمرين: أحدهما أنا قد بينا في الوجه الثاني وهو التمثيل على سبيل الاستعارة أن التشبيه فيه وقع بين هيئتين، وعلى ذلك قررها علماء البيان. ونحن ها هنا إذا قلنا مثلا فيمن أحسن إلى من لا يشكر أو يضر: هو كمجير أم عامر، فظاهر اللفظ أنه تشبيه هذا الشخص بذاك الشخص، لا الصورة بالصورة، وإن كان يصح أن يقال: المراد أن حالة هذا الشخص كحالة المجير على تقدير المضاف؛ لكنا في غنى عن هذا التقدير.
الثاني: إنّ المشبه به هنا مثلا أو بحالته هو مجير أم عامر حقيقة أعني الشخص الذي أجارها فبقرت بطنه وهو عنصر المثل إنّما وقع بعد ذلك بانرئى شخص شبيه به فقال: هو كمجير أم عامر، ثم سار وشاع. فان جعلنا الذي صدر فيه هذا التشبيه أوّل صدوره موردا، فليس هو الذي تشبه سائر المضارب به، بل هذا المورد بعينه وكل ما بعده متشابهات بالمجير الحقيقي. وإنّ جعلنا المورد هو العنصر الأول، فهو لم يقع عليه لفظ المثل حتى ينقل منه إلى شيء آخر ويقال إنّه شبه بما ورد فيه أولا، وإنّما وقع يعده. على أن لقائل أن يقول أيضاً: يصح أن يكون الناس في مثل هذا مثلا سمعوا حديث مجير أم عامر، فجعلوا يشبهون كلهم. فمن الجائز أن يرى ذلك جماعة أو يسمعوه، ثم يشبه كل واحد على حدة من غير أن يكون لذلك سابق مخصص يتبع ويجعل مكان تشبيهه موردا. وهكذا كل ما يشبه هذا المثل. فقد علمت بهذا أن هذا الوجه مخالف للوجه الثاني، وأن في التعاريف السابقة ما فيها إلاّ

الصفحة 23