كتاب الاستذكار (اسم الجزء: 1)

وَكَذَلِكَ ظَاهَرُ قَوْلِهِ (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) الْإِسْرَاءِ 78 لَوْ تُرِكْنَا وَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ لَوَجَبَتِ الصَّلَاةُ مِنَ الزَّوَالِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ دُلُوكَهَا زَوَالَهَا إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ فَلَيْسَ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ شَيْءٌ وَاضِحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ
وَأَصْبَحَ ذَلِكَ نُزُولَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ مُفَسَّرَةً وَهِيَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلَةً
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ مُجْمَلَاتٌ أَوْضَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النَّمْلِ 44
فَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَمِنْ بَيَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا نَقَلَهُ الْآحَادُ الْعُدُولُ وَمِنْهَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَقَطَعَ الْعُذْرَ وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا عِلْمُهُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ
أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ وَوَسَطِ الْقِبْلَةِ إِذَا اسْتُوقِنَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ بِالتَّفَقُّدِ وَالتَّأَمُّلِ وَذَلِكَ ابْتِدَاءُ زِيَادَةِ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَإِنْ كَانَ الظِّلُّ مُخَالِفًا فِي الصَّيْفِ لَهُ فِي الشِّتَاءِ فَإِذَا تَبَيَّنَ زَوَالُ الشَّمْسِ بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ
هَذَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَذَلِكَ تَفْسِيرٌ لقوله تعالى (أقم الصلوات لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الْإِسْرَاءِ 78 وَدُلُوكُهَا مَيْلُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ دُلُوكُهَا غُرُوبُهَا وَاللُّغَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ
وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ أَنْ يُؤَخِّرُوهَا بَعْدَ الزَّوَالِ حَتَّى يَكُونَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ إِلَى عُمَّالِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ فيما روى عنه بن الْقَاسِمِ صَيْفًا وَشِتَاءً
وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنْ أَحَبَّ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْبَدَارُ إِلَيْهَا فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا إِلَّا الظُّهْرَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِنَّهُ يُبْرَدُ بِهَا
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ مَالِكٌ أَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا الظُّهْرَ فِي شِدَّةِ الحر

الصفحة 24