كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 1)

والتخيير ينافي الوجوب، وكذلك إذا جهر فيما يخافت لم يترك واجباً عليه؛ لأن المخافتة إنما وجبت لنفي، وإنما يحتاج إلى هذا في صلاة تؤدى على سبيل الشهرة، والمنفرد يؤدي على سبيل الخفية، وذكر أبو سليمان في «نوادره» : أن المنفرد إذا نسي حالة في الصلاة حتى ظن أنه إمام فجهر في صلاته كما يجهر الإمام سجد للسهو؛ لأن الجهر بهذه الصفة سنّة الإمام دون المنفردين، فإذا جهر كذلك فقد غير نظم القراءة، وها هنا بعدها سجود السهو.
وكذلك إذا أخر القراءة إلى الآخرين فعليه السجود فاختلف المشايخ في حد الجهر والمخافتة، قال الشيخ أبو الحسن الكرخي رحمه الله: أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأقصاه أن يسمع غيره، وأدنى المخافتة تحصل الحروف.
وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله: أدنى الجهر أن يسمع غيره، وأدنى المخافتة أن يسمع نفسه، وعلى هذا يعتمد، وإذا و...... التشهد وقراءة الفاتحة سهو فلا سهو عليه، وإذا قرأ الفاتحة مكان التشهد فعليه السهو.
وكذلك إذا قرأ الفاتحة ثم التشهد كان عليه السهو، كذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله في «واقعات الناطفي» رحمه الله، وذكر هناك إذا بدأ في موضع التشهد بالقراءة ثم تشهد فعليه السهو، ومثله لو بدأ بالتشهد ثم بالقراءة فلا سهو عليه؛ لأن في الوجه الأول لم يقع التشهد موضعه.
وفي الوجه الثاني وضع التشهد موضعه، وفي غريب الرواية: إذا قرأ قاعداً يعني في حالة التشهد، فعليه السهو؛ لأن الموضع ليس موضع القراءة.

وكذلك لو قرأ آية في ركوعه أو سجوده، ولو قرأ التشهد قائماً أو راكعاً أو ساجداً لا سهو عليه، لأن التشهد ثناء، والقيام موضع الثناء والقراءة.
أرأيت لو افتتح فقال: السلام عليك أيها النبي إلى قوله عبده ورسوله، فإنه يكون بمنزلة الدعاء، ولا سهو عليه.
وعن أبي يوسف رحمه الله: فيمن تشهد قائماً فلا سهو عليه، وإن قرأ في جلوسه فعليه السهو، أرأيت لو كبّر فقرأ بعد الثناء؛ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقال هذا أو نحوه هل يجب عليه سجود السهو لأنه إن كان في موضع الثناء، فموضع الثناء منه معروف، وإن قرأ في الركعتين الأخيرتين، فليس عليه سجود السهو؛ لأنه يتخير في الركعتين الآخيرتين.
وأما السهو في القنوت إن ترك القنوت ساهياً ثم يتذكر بعدما يركع أو يسجد وفي هذه الصورة لا يعود إلى القيام ولا يقنت بل يمضي في صلاته ويسجد للسهو في آخره.
وكذلك إذا تذكر بعدما قام من الركوع، يمضي أم يقنت، ولو تذكر في الركوع هل يعود إلى القيام ففيه روايتان، وقد ذكرنا المسألة من قبل.

الصفحة 504