كتاب المحيط البرهاني في الفقه النعماني (اسم الجزء: 1)

محلل شرعاً، قال عليه السلام: «وتحليلها السلام» والمحلل من وجه يجب أن يقيد حكمه بالحاجة، وهو التحلل لو لم يعمل؛ إنما لا يعمل لحاجته إلى أداء سجود السهو، والثابت بالحاجة يقدر بقدر الحاجة، فإن عاد إلى سجدتي السهو جاءت الحاجة، فتعتبر الحرمة باقية وإن لم يعد إلى سجدتي السهو لم توجد الحاجة، فيعمل المحلل عمله من حيث وجوده، ثم إذا سجد الإمام حتى صار الرجل داخلاً في صلاته بالإجماع سجد هذا الرجل معه؛ لأن المسبوق يتابع الإمام فيما يدركه فيه، فإن سجد مع الإمام ثم قام يقضي لم يكن عليه أن يعيد السهو وإن كان ذلك السهو وسط الصلاة، ومحله آخر الصلاة؛ لأن هذا آخر صلاته حكماً، فإنه آخر صلاة الإمام حقيقة، فتكون آخر صلاته كأنما تحقق للمتابعة، فإن سها الرجل فيما يقضي فعليه أن يسجد السهو وسجوده الأول مع الإمام لا يجزئه عن سهوه؛ لأن المسبوق فيما يقضي منفرد، والسجود مع الإمام لا يقع عن السهو في صلاته.
نوع آخر في بيان ما يمنع الإتيان بسجود السهو

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : وإذا سلم يريد به قطع الصلاة، وعليه سجود السهو فعليه أن يسجد السهو، وبطلت من القطع عندهم جميعاً، أما عند محمد رحمه الله؛ فلأن هذا لم يشرع محللاً للحال، فلا يصير محللاً لقصده؛ إذ ليس للعبد تغيير المشروع.
وعندهما: هذا السلام اعتبر محللاً على سبيل التوقف، فمتى قصد أن يجعلها محللاً على سبيل الثبات، فقد قصد تغيير الشروع، فيرد عليه قصده.
فقد ذكر في «الجامع الصغير» : مطلقاً أنه يسجد للسهو، وذكر هذه المسألة في «الأصل» ، وشَرَطَ لأداء الصحة شرطاً زائداً، فقال: إذا سلم وهو لا يريد أن يسجد لسهوه لم يكن تسليمه ذلك قطعاً، حتى لو بدا أن يسجد له وهو في مجلسه قبل أن يقوم وقبل أن يتكلم، فإنه يسجد سجدتي السهو، فقد شرط لأداء سجدتي السهو شرطاً زائداً، وهو أن لا يتكلم، ولا يقوم عن مجلسه ذلك، فهذا إشارة إلى أنه متى قام عن مجلسه واستدبر القبلة أنه لا يأتي بسجدتي السهو، وإن كان لم يخرج عن المسجد.
وذكر في «الأصل» : بعد هذه المسألة بمسائل أنه يأتي بهما قبل أن يتكلم ويخرج من المسجد وإن مشى وانحرف عن القبلة، وبه قال بعض المشايخ.
وأشار محمد رحمه الله في مسألة أخرى إلى ما يدل على هذا، فإنه قال: إذا سلم الرجل عن يمينه وسها عن التسليمة الأخرى، فما دام في المسجد يأتي بالأخرى وإن استدبر القبلة، وعامة المشايخ على أنه لا يأتي بها متى استدبر القبلة؛ لأنه انحرف عن القبلة من غير عذر، ومثل هذا الانحراف يخرجه عن حرمة الصلاة.

الصفحة 513