كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
أول إِسْنَاده وَاحِد فَأكْثر وَلَا يُسمى بذلك مَا سقط وسط إِسْنَاده أَو آخِره وَلَا مَا كَانَ بِصِيغَة تمريض نبه عَلَيْهِ ابْن الصّلاح (مُقَدّمَة) اعْلَم أَن لكل علم مَوْضُوعا ومبادي ومسائل فالموضوع مَا يبْحَث فِي ذَلِك الْعلم عَن أعراضه الذاتية والمبادي هِيَ الْأَشْيَاء الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْعلم وَهِي إِمَّا تصورات أَو تصديقات فالتصورات حُدُود أَشْيَاء تسْتَعْمل فِي ذَلِك الْعلم والتصديقات هِيَ الْمُقدمَات الَّتِي مِنْهَا يؤلف قياسات الْعلم والمسائل هِيَ الَّتِي يشْتَمل الْعلم عَلَيْهَا فموضوع علم الحَدِيث هُوَ ذَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ أَنه رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومباديه هِيَ مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ المباحث وَهُوَ أَحْوَال الحَدِيث وَصِفَاته ومسائله هِيَ الْأَشْيَاء الْمَقْصُودَة مِنْهُ وَقد قيل لَا فرق بَين الْمُقدمَات والمباديء وَقيل الْمُقدمَات أَعم من المبادي لِأَن المبادي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ دَلَائِل الْمسَائِل بِلَا وسط والمقدمة مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الْمسَائِل والمبادي بوسط أَو لَا بوسط وَقيل المبادي مَا يبرهن بهَا وَهِي الْمُقدمَات والمسائل مَا يبرهن عَلَيْهَا والموضوعات مَا يبرهن فِيهَا (قلت) وَجه الْحصْر أَن مَا لَا بُد للْعلم أَن كَانَ مَقْصُودا مِنْهُ فَهُوَ الْمسَائِل وَغير الْمَقْصُود إِن كَانَ مُتَعَلق الْمسَائِل فَهُوَ الْمَوْضُوع وَإِلَّا فَهُوَ المبادي وَهِي حَده وَفَائِدَته واستمداده (أما) حَده فَهُوَ علم يعرف بِهِ أَقْوَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله وأحواله وَأما فَائِدَته فَهِيَ الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ وَأما استمداده فَمن أَقْوَال الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وأفعاله أما أَقْوَاله فَهُوَ الْكَلَام الْعَرَبِيّ فَمن لم يعرف الْكَلَام الْعَرَبِيّ بجهاته فَهُوَ بمعزل عَن هَذَا الْعلم وَهِي كَونه حَقِيقَة ومجازا وكناية وصريحا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا ومحذوفا ومضمرا ومنطوقا ومفهوما واقتضاء وَإِشَارَة وَعبارَة وَدلَالَة وتنبيها وإيماء وَنَحْو ذَلِك مَعَ كَونه على قانون الْعَرَبيَّة الَّذِي بَينه النُّحَاة بتفاصيله وعَلى قَوَاعِد اسْتِعْمَال الْعَرَب وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِعلم اللُّغَة وَأما أَفعاله فَهِيَ الْأُمُور الصادرة عَنهُ الَّتِي أمرنَا باتباعه فِيهَا مَا لم يكن طبعا أَو خَاصَّة فها نَحن نشرع فِي الْمَقْصُود بعون الْملك المعبود ونسأله الْإِعَانَة على الاختتام متوسلا بِالنَّبِيِّ خير الْأَنَام وَآله وَصَحبه الْكِرَام
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى آمين بَاب كَيفَ كَانَ بَدْء الْوَحْي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول الله جلّ ذكره {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح والنبيين من بعده} )
. بَيَان حَال الِافْتِتَاح ذكرُوا أَن من الْوَاجِب على مُصَنف كتاب أَو مؤلف رِسَالَة ثَلَاثَة أَشْيَاء وَهِي الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالصَّلَاة وَمن الطّرق الْجَائِزَة أَرْبَعَة أَشْيَاء وَهِي مدح الْفَنّ وَذكر الْبَاعِث وَتَسْمِيَة الْكتاب وَبَيَان كَيْفيَّة الْكتاب من التَّبْوِيب وَالتَّفْصِيل أما الْبَسْمَلَة والحمدلة فَلِأَن كتاب الله تَعَالَى مَفْتُوح بهما وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِذكر الله وببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع رَوَاهُ الْحَافِظ عبد الْقَادِر فِي أربعينه وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْذم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَفِي رِوَايَة ابْن ماجة كل أَمر ذِي بَال لم يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد أقطع وَرَوَاهُ ابْن حبَان وَأَبُو عوَانَة فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقَالَ ابْن الصّلاح هَذَا حَدِيث حسن بل صَحِيح (قَوْله أقطع) أَي قَلِيل الْبركَة وَكَذَلِكَ أَجْذم من جذم بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة يجذم بِفَتْحِهَا وَيُقَال أقطع وأجذم من الْقطع والجذام أَو من الْقطعَة وَهِي الْعَطش والجذام فَيكون مَعْنَاهُمَا أَنه لَا خير فِيهِ كالمجذوم وَالنَّخْل الَّتِي لَا يُصِيبهَا المَاء. وَأما الصَّلَاة فَلِأَن ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقرون بِذكرِهِ تَعَالَى وَلَقَد قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} مَعْنَاهُ ذكرت حَيْثُمَا ذكرت وَفِي رِسَالَة الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة قَالَ لَا أذكر إِلَّا ذكرت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وروى ذَلِك مَرْفُوعا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رب الْعَالمين قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم (فَإِن قيل) من ذكر الصَّلَاة كَانَ من الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يذكر السَّلَام مَعهَا لقرنها فِي الْأَمر بِالتَّسْلِيمِ وَلِهَذَا كره أهل الْعلم ترك ذَلِك (قلت) يرد هَذَا وُرُود الصَّلَاة فِي آخر التَّشَهُّد مُفْردَة (فَإِن قيل) ورد تَقْدِيم السَّلَام فَلهَذَا قَالُوا هَذَا السَّلَام فَكيف نصلي (قلت) يُمكن أَن يُجَاب بِمَا روى النَّسَائِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي آخر قنوته وَصلى الله على النَّبِي وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام رغم أنف رجل ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ والبخيل الَّذِي ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ وَيجوز أَن يَدعِي أَن المُرَاد من التَّسْلِيم الاستسلام والانقياد فقد ورد ذَلِك فِي سُورَة النِّسَاء ويعضد ذَلِك تَخْصِيصه بِالْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ كَانُوا مكلفين بأحكامه عَلَيْهِ السَّلَام وَيجوز أَن يَدعِي أَن الْجُمْلَة
الصفحة 11
332