كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

الْكِبَار أَنه ذكر الْحَمد بعد التَّسْمِيَة كَمَا هُوَ دأب المصنفين فِي مسودته كَمَا ذكره فِي بَقِيَّة مصنفاته وَإِنَّمَا سقط ذَلِك من بعض المبيضين فاستمر على ذَلِك وَالله تَعَالَى أعلم (بَيَان التَّرْجَمَة) لما كَانَ كِتَابه مَقْصُورا على أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره بِبَاب بَدَأَ الْوَحْي لِأَنَّهُ يذكر فِيهِ أول شَأْن الرسَالَة وَالْوَحي وَذكر الْآيَة تبركا ولمناسبتها لما ترْجم لَهُ لِأَن الْآيَة فِي أَن الْوَحْي سنة الله تَعَالَى فِي أنبيائه عَلَيْهِم السَّلَام وَقَالَ بَعضهم لَو قَالَ كَيفَ كَانَ الْوَحْي وبدؤه لَكَانَ أحسن لِأَنَّهُ تعرض لبَيَان كَيْفيَّة الْوَحْي لَا لبَيَان كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يقدم عَلَيْهِ عقب التَّرْجَمَة غَيره ليَكُون أقرب إِلَى الْحسن وَكَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس لَا يدل على بَدْء الْوَحْي وَلَا تعرض لَهُ غير أَنه لم يقْصد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة تَحْسِين الْعبارَة وَإِنَّمَا مَقْصُوده فهم السَّامع والقارىء إِذا قَرَأَ الحَدِيث علم مَقْصُوده من التَّرْجَمَة فَلم يشْتَغل بهَا تعويلا مِنْهُ على فهم القارىء وَاعْترض بِأَنَّهُ لَيْسَ قَوْله لَكَانَ أحسن مُسلما لأَنا لَا نسلم أَنه لَيْسَ بَيَانا لكيفية بَدْء الْوَحْي إِذْ يعلم مِمَّا فِي الْبَاب أَن الْوَحْي كَانَ ابتداؤه على حَال الْمقَام ثمَّ فِي حَال الْخلْوَة بِغَار حراء على الْكَيْفِيَّة الْمَذْكُورَة من الغط وَنَحْوه ثمَّ مَا فر هُوَ مِنْهُ لَازم عَلَيْهِ على هَذَا التَّقْدِير أَيْضا إِذْ البدء عطف على الْوَحْي كَمَا قَرَّرَهُ فَيصح أَن يُقَال ذَلِك إيرادا عَلَيْهِ وَلَيْسَ قَوْله كَانَ يَنْبَغِي أَيْضا مُسلما إِذْ هُوَ بِمَنْزِلَة الْخطْبَة وَقصد التَّقَرُّب فالسلف كَانُوا يستحبون افْتِتَاح كَلَامهم بِحَدِيث النِّيَّة بَيَانا لإخلاصهم فِيهِ وَلَيْسَ وَكَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مُسلما إِذْ فِيهِ بَيَان حَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ابْتِدَاء نزُول الْوَحْي أَو عِنْد ظُهُور الْوَحْي وَالْمرَاد من حَال ابْتِدَاء الْوَحْي حَاله مَعَ كل مَا يتَعَلَّق بِشَأْنِهِ أَي تعلق كَانَ كَمَا فِي التَّعَلُّق الَّذِي للْحَدِيث الهرقلي وَهُوَ أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت فِي أَحْوَال الْبعْثَة ومباديها أَو المُرَاد بِالْبَابِ بجملته بَيَان كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي لَا من كل حَدِيث مِنْهُ فَلَو علم من مَجْمُوع مَا فِي الْبَاب كَيْفيَّة بَدْء الْوَحْي من كل حَدِيث شَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ لصحت التَّرْجَمَة (بَيَان اللُّغَة) لباب أَصله البوب قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَيجمع على أَبْوَاب وَقد قَالُوا أبوبة وَقَالَ الْقِتَال الْكلابِي واسْمه عبد الله بن الْمُجيب يرثي حَنْظَلَة بن عبد الله بن الطُّفَيْل.
(هتاك أخبية ولاج أبوبة ... ملْء الثواية فِيهِ الْجد واللين)
قَالَ الصغاني وَإِنَّمَا جمع الْبَاب أبوبة للازدواج وَلَو أفرده لم يجز وأبواب مبوبة كَمَا يُقَال أَصْنَاف مصنفة والبابة الْخصْلَة والبابات الْوُجُوه. وَقَالَ ابْن السّكيت البابة عِنْد الْعَرَب الْوَجْه وَالْمرَاد من الْبَاب هَهُنَا النَّوْع كَمَا فِي قَوْلهم من فتح بَابا من الْعلم أَي نوعا وَإِنَّمَا قَالَ بَاب وَلم يقل كتاب لِأَن الْكتاب يذكر إِذا كَانَ تَحْتَهُ أَبْوَاب وفصول وَالَّذِي تضمنه هَذَا الْبَاب فصل وَاحِد لَيْسَ إِلَّا فَلذَلِك قَالَ بَاب وَلم يقل كتاب قَوْله كَيفَ اسْم لدُخُول الْجَار عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيل فِي قَوْلهم على كَيفَ تبيع الأحمرين ولإبدال الِاسْم الصَّرِيح نَحْو كَيفَ أَنْت أصحيح أم سقيم وَيسْتَعْمل على وَجْهَيْن أَن يكون شرطا نَحْو كَيفَ تصنع أصنع وَأَن يكون استفهاما إِمَّا حَقِيقِيًّا نَحْو كَيفَ زيدا وَغَيره نَحْو (كَيفَ تكفرون بِاللَّه) فَإِنَّهُ أخرج مخرج التَّعَجُّب وَيَقَع خَبرا نَحْو كَيفَ أَنْت وَحَالا نَحْو كَيفَ جَاءَ زيد أَي على أَي حَالَة جَاءَ زيد وَيُقَال فِيهِ كي كَمَا يُقَال فِي سَوف. هُوَ قَوْله كَانَ من الْأَفْعَال النَّاقِصَة تدل على الزَّمَان الْمَاضِي من غير تعرض لزواله فِي الْحَال أَو لَا زَوَاله وَبِهَذَا يفرق عَن ضارفان مَعْنَاهُ الِانْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَلِهَذَا يجوز أَن يُقَال كَانَ الله وَلَا يجوز صَار. قَوْله بَدْء الْوَحْي البدء على وزن فعل بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي آخِره همز من بدأت الشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ وَفِي الْعباب بدأت بالشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ وبدأت الشَّيْء

الصفحة 13