كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
أخرجهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عَليّ بن مُحَمَّد العتابي ثَنَا عبد الله بن هَاشم الطوسي ثَنَا يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مُحَمَّد عَن عَلْقَمَة عَن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ الحَدِيث وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم فِي كِتَابه الْأَرْبَعين فِي شعار أهل الحَدِيث عَن أبي بكر ابْن خُزَيْمَة ثَنَا القعْنبِي ثَنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد بِهِ سَوَاء ثمَّ حكم بِصِحَّتِهِ وَأوردهُ ابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقى بِلَفْظ سادس عَن ابْن الْمقري حَدثنَا سُفْيَان عَن يحيى بِهِ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَإِن لكل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا الحَدِيث وَأوردهُ الرَّافِعِيّ فِي شَرحه الْكَبِير بِلَفْظ آخر غَرِيب وَهُوَ لَيْسَ للمرء من عمله إِلَّا مَا نَوَاه وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس مَرْفُوعا لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لَكِن فِي إِسْنَاده جَهَالَة (بَيَان اخْتِيَاره هَذَا فِي الْبِدَايَة) أَرَادَ بِهَذَا إخلاص الْقَصْد وَتَصْحِيح النِّيَّة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه قصد بتأليفه الصَّحِيح وَجه الله تَعَالَى وَقد حصل لَهُ ذَلِك حَيْثُ أعْطى هَذَا الْكتاب من الْحَظ مَا لم يُعْط غَيره من كتب الْإِسْلَام وَقَبله أهل الْمشرق وَالْمغْرب وَقَالَ ابْن مهْدي الْحَافِظ من أَرَادَ أَن يصنف كتابا فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ لَو صنفت كتابا لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ أَبُو بكر بن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث وَثَمَانمِائَة حَدِيث فِي الْأَحْكَام فَأَما أَحَادِيث الزّهْد والفضائل فَلم أخرجهَا وَيَكْفِي الْإِنْسَان لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ والحلال بَين وَالْحرَام بَين وَمن حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه وَلَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضى لنَفسِهِ وَقَالَ القَاضِي عِيَاض ذكر الْأَئِمَّة أَن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام وَقيل ربعه وَقيل أصُول الدّين ثَلَاثَة أَحَادِيث وَقيل أَرْبَعَة. قَالَ الشَّافِعِي وَغَيره يدْخل فِيهِ سَبْعُونَ بَابا من الْفِقْه وَقَالَ النَّوَوِيّ لم يرد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى انحصار أبوابه فِي هَذَا الْعدَد فَإِنَّهَا أَكثر من ذَلِك وَقد نظم طَاهِر بن مفوز الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة
(عُمْدَة الدّين عندنَا كَلِمَات ... أَربع من كَلَام خير الْبَريَّة)
(اتَّقِ الشُّبُهَات وازهد ودع مَا ... لَيْسَ يَعْنِيك واعملن بنية)
فَإِن قيل مَا وَجه قَوْلهم إِن هَذَا الحَدِيث ثلث الْإِسْلَام قلت لتَضَمّنه النِّيَّة وَالْإِسْلَام قَول وَفعل وَنِيَّة وَلما بَدَأَ البُخَارِيّ كِتَابه بِهِ لما ذكرنَا من الْمَعْنى خَتمه بِحَدِيث التَّسْبِيح لِأَن بِهِ تتعطر الْمجَالِس وَهُوَ كَفَّارَة لما قد يَقع من الْجَالِس فَإِن قيل لم اخْتَار من هَذَا الحَدِيث مُخْتَصره وَلم يذكر مطوله هَهُنَا قلت لما كَانَ قَصده التَّنْبِيه على أَنه قصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وَأَنه سيجزى بِحَسب نِيَّته ابْتَدَأَ بالمختصر الَّذِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الشَّخْص يجزى بِقدر نِيَّته فَإِن كَانَت نِيَّته وَجه الله تَعَالَى يجزى بالثواب وَالْخَيْر فِي الدَّاريْنِ وَإِن كَانَت نِيَّته وَجها من وُجُوه الدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ حَظّ من الثَّوَاب وَلَا من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ بعض الشَّارِحين سُئِلت عَن السِّرّ فِي ابْتِدَاء البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا وَلم لَا ذكره مطولا كَمَا ذكر فِي غَيره من الْأَبْوَاب فأجبته فِي الْحَال بِأَن عمر قَالَه على الْمِنْبَر وخطب بِهِ فَأَرَادَ التأسي بِهِ قلت قد ذكره البُخَارِيّ أَيْضا مطولا فِي ترك الْحِيَل وَفِيه أَنه خطب بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِذن لم يَقع كَلَامه جَوَابا فَإِن قلت لم قدم رِوَايَة الْحميدِي على غَيره من مشايخه الَّذين روى عَنْهُم هَذَا الحَدِيث قلت هَذَا السُّؤَال سَاقِط لِأَنَّهُ لَو قدم رِوَايَة غَيره لَكَانَ يُقَال لم قدم هَذَا على غَيره وَيُمكن أَن يُقَال أَن ذَاك لأجل كَون رِوَايَة الْحميدِي أخصر من رِوَايَة غَيره وَفِيه الْكِفَايَة على دلَالَة مَقْصُوده وَقَالَ بَعضهم قدم الرِّوَايَة عَن الْحميدِي لِأَنَّهُ قرشي مكي إِشَارَة إِلَى الْعَمَل بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وإشعارا بأفضلية مَكَّة على غَيرهَا من الْبِلَاد وَلِأَن ابْتِدَاء الْوَحْي كَانَ مِنْهَا فَنَاسَبَ بالرواية عَن أَهلهَا فِي أول بَدْء الْوَحْي وَمن ثمَّة ثنى بالرواية عَن مَالك لِأَنَّهُ فَقِيه الْحجاز وَلِأَن الْمَدِينَة تلو مَكَّة فِي الْفضل وَقد بينتها فِي نزُول الْوَحْي قلت لَيْسَ البُخَارِيّ هَهُنَا فِي صدد بَيَان فَضِيلَة قُرَيْش وَلَا فِي بَيَان فَضِيلَة مَكَّة حَتَّى يبتدىء بِرِوَايَة شخص قرشي مكي وَلَئِن سلمنَا فَمَا وَجه تَخْصِيص الْحميدِي من بَين الروَاة القرشيين المكيين وَأَيْضًا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا قُريْشًا إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامَة الْكُبْرَى لَيْسَ إِلَّا. وَفِي غَيرهَا يقدم الْبَاهِلِيّ الْعَالم على الْقرشِي الْجَاهِل وَقَوله وَلِأَن ابْتِدَاء الْوَحْي إِلَى آخِره إِنَّمَا يَسْتَقِيم أَن لَو كَانَ الحَدِيث
الصفحة 22
332