كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

لَا سِيمَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا إِلَى آخِره وَهَذِه الرِّوَايَة فِي غير رِوَايَة الْحميدِي على مَا بَينا وأثبتها الدَّاودِيّ فِي رِوَايَة الْحميدِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم غلط الدَّاودِيّ فِي إِثْبَاتهَا وَقَالَ الْكرْمَانِي وَوَقع فِي روايتنا وَجَمِيع نسخ أَصْحَابنَا مخروما قد ذهب شطره وَهُوَ قَوْله فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَلست أَدْرِي كَيفَ وَقع هَذَا الإغفال من أَي جِهَة من عرض من رُوَاته وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي هَذَا الْكتاب فِي غير مَوضِع من غير طَرِيق الْحميدِي فجَاء بِهِ مُسْتَوْفِي مَذْكُورا بشطريه وَلَا شكّ فِي أَنه لم يَقع من جِهَة الْحميدِي فقد رَوَاهُ لنا الْأَثْبَات من طَريقَة تَاما غير نَاقص (الأسئلة والأجوبة) الأول مَا قيل مَا فَائِدَة قَوْله وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى بعد قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَأجِيب عَنهُ من وُجُوه الأول مَا قَالَه النَّوَوِيّ أَن فَائِدَته اشْتِرَاط تعْيين الْمَنوِي فَإِذا كَانَ على الْإِنْسَان صَلَاة فَائِتَة لَا يَكْفِيهِ أَن يَنْوِي الصَّلَاة الْفَائِتَة بل يشْتَرط أَن يَنْوِي كَونهَا ظهرا أَو عصرا أَو غَيرهَا وَلَوْلَا اللَّفْظ الثَّانِي لاقتضى الأول صِحَة النِّيَّة بِلَا تعْيين وَفِيه نظر لِأَن الرجل إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة وَاحِدَة فِي يَوْم معِين ثمَّ أَرَادَ أَن يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ذكر كَونهَا ظهرا أَو عصرا الثَّانِي مَا ذكره بعض الشَّارِحين من أَنه لمنع الِاسْتِنَابَة فِي النِّيَّة لِأَن الْجُمْلَة الأولى لَا تَقْتَضِي منع الِاسْتِنَابَة فِي النِّيَّة إِذْ لَو نوى وَاحِد عَن غَيره صدق عَلَيْهِ أَنه عمل بنية وَالْجُمْلَة الثَّانِيَة منعت ذَلِك انْتهى وينتقض هَذَا بمسائل. مِنْهَا نِيَّة الْوَلِيّ عَن الصَّبِي فِي الْحَج على مَذْهَب هَذَا الْقَائِل فَإِنَّهَا تصح. وَمِنْهَا حج الْإِنْسَان عَن غَيره فَإِنَّهُ يَصح بِلَا خلاف. وَمِنْهَا إِذا وكل فِي تَفْرِقَة الزَّكَاة وفوض إِلَيْهِ النِّيَّة وَنوى الْوَكِيل فَإِنَّهُ يجْزِيه كَمَا قَالَه الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَالْحَاوِي الصَّغِير الثَّالِث مَا ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْأَعْمَال الْخَارِجَة عَن الْعِبَادَة قد تفِيد الثَّوَاب إِذا نوى بهَا فاعلها الْقرْبَة كَالْأَكْلِ وَالشرب إِذا نوى بهما التقوية على الطَّاعَة وَالنَّوْم إِذا قصد بِهِ ترويح الْبدن لِلْعِبَادَةِ وَالْوَطْء إِذا أَرَادَ بِهِ التعفف عَن الْفَاحِشَة كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بضع أحدكُم صَدَقَة الحَدِيث الرَّابِع مَا ذكره بَعضهم أَن الْأَفْعَال الَّتِي ظَاهرهَا الْقرْبَة وموضوع فعلهَا لِلْعِبَادَةِ إِذا فعلهَا الْمُكَلف عَادَة لم يَتَرَتَّب الثَّوَاب على مُجَرّد الْفِعْل وَإِن كَانَ الْفِعْل صَحِيحا حَتَّى يقْصد بهَا الْعِبَادَة وَفِيه نظر لَا يخفى الْخَامِس تكون هَذِه الْجُمْلَة تَأْكِيدًا للجملة الأولى فَذكر الحكم بِالْأولَى وأكده بِالثَّانِيَةِ تَنْبِيها على شرف الْإِخْلَاص وتحذيرا من الرِّيَاء الْمَانِع من الْإِخْلَاص السُّؤَال الثَّانِي هُوَ أَنه لم يقل فِي الْجَزَاء فَهجرَته إِلَيْهِمَا وَإِن كَانَ أخصر بل أَتَى بِالظَّاهِرِ فَقَالَ فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَأجِيب بِأَن ذَلِك من آدابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَعْظِيم اسْم الله عز وَجل أَن لَا يجمع مَعَ ضمير غَيره كَمَا قَالَ للخطيب بئس خطيب الْقَوْم أَنْت حِين قَالَ من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فقد غوى وَبَين لَهُ وَجه الْإِنْكَار فَقَالَ لَهُ قل {وَمن يعْص الله وَرَسُوله} فَإِن قيل فقد جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّمِير وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تشهد الحَدِيث وَفِيه وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد رشد وَمن يعصهما فَإِنَّهُ لَا يضر إِلَّا نَفسه وَلَا يضر الله شَيْئا قلت إِنَّمَا كَانَ إِنْكَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخَطِيب لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده من الْمعرفَة بتعظيم الله عز وَجل مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُعلمهُ من عَظمته وجلاله وَلَا كَانَ لَهُ وقُوف على دقائق الْكَلَام فَلذَلِك مَنعه وَالله أعلم السُّؤَال الثَّالِث مَا فَائِدَة التَّنْصِيص على الْمَرْأَة مَعَ كَونهَا دَاخِلَة فِي مُسَمّى الدُّنْيَا وَأجِيب من وُجُوه الأول أَنه لَا يلْزم دُخُولهَا فِي هَذِه الصِّيغَة لِأَن لَفْظَة دنيا نكرَة وَهِي لَا تعم فِي الْأَثْبَات فَلَا تَقْتَضِي دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا الثَّانِي أَنه للتّنْبِيه على زِيَادَة التحذير فَيكون من بَاب ذكر الْخَاص بعد الْعَام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} وَقَوله {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} الْآيَة. وَقَالَ بعض الشَّارِحين وَلَيْسَ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ونخل ورمان} بعد ذكر الْفَاكِهَة وَإِن غلط فِيهِ بَعضهم لِأَن فَاكِهَة نكرَة فِي سِيَاق الْأَثْبَات فَلَا تعم لَكِن وَردت فِي معرض الامتنان قلت الْفَاكِهَة اسْم لما يتفكه بِهِ أَي يتنعم بِهِ زِيَادَة على الْمُعْتَاد وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود

الصفحة 27