كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
همام. وَرَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة وَعَن ابْن نمير عَن أبي بشر عَنهُ (بَيَان اللُّغَات) قَوْله الْوَحْي قد فسرناه فِيمَا مضى ولنذكر هَهُنَا أقسامه وصوره أما أقسامه فِي حق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فعلى ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا سَماع الْكَلَام الْقَدِيم كسماع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِنَصّ الْقُرْآن وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَحِيح الْآثَار الثَّانِي وَحي رِسَالَة بِوَاسِطَة الْملك الثَّالِث وَحي تلق بِالْقَلْبِ كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أَي فِي نَفسِي وَقيل كَانَ هَذَا حَال دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَالْوَحي إِلَى غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَعْنى الإلهام كالوحي إِلَى النَّحْل وَأما صوره على مَا ذكره السُّهيْلي فسبعة الأولى الْمَنَام كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث الثَّانِيَة أَن يَأْتِيهِ الْوَحْي مثل صلصلة الجرس كَمَا جَاءَ فِيهِ أَيْضا الثَّالِثَة أَن ينفث فِي روعه الْكَلَام كَمَا مر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور آنِفا وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى {أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} وَهُوَ أَن ينفث فِي روعه بِالْوَحْي الرَّابِعَة أَن يتَمَثَّل لَهُ الْملك رجلا كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث وَقد كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَة دحْيَة قلت اخْتِصَاص تمثله بِصُورَة دحْيَة دون غَيره من الصَّحَابَة لكَونه أحسن أهل زَمَانه صُورَة وَلِهَذَا كَانَ يمشي متلثما خوفًا أَن يفتتن بِهِ النِّسَاء الْخَامِسَة أَن يتَرَاءَى لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صورته الَّتِي خلقهَا الله تَعَالَى لَهُ بستمائة جنَاح ينتشر مِنْهَا اللُّؤْلُؤ والياقوت السَّادِسَة أَن يكلمهُ الله تَعَالَى من وَرَاء حجاب إِمَّا فِي الْيَقَظَة كليلة الْإِسْرَاء أَو فِي النّوم كَمَا جَاءَ فِي التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا أَتَانِي رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى الحَدِيث وَحَدِيث عَائِشَة الْآتِي ذكره فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ اقْرَأ ظَاهره أَن ذَلِك كَانَ يقظة وَفِي السِّيرَة. فَأَتَانِي وَأَنا نَائِم وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ جَاءَ أَولا مناما تَوْطِئَة وتيسيرا عَلَيْهِ وترفقا بِهِ. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مكث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة يسمع الصَّوْت وَيرى الضَّوْء سبع سِنِين وَلَا يرى شَيْئا وثماني سِنِين يُوحى إِلَيْهِ السَّابِعَة وَحي إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا جَاءَ عَن الشّعبِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل بِهِ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فَكَانَ يتَرَاءَى لَهُ ثَلَاث سِنِين ويأتيه بِالْكَلِمَةِ من الْوَحْي وَالشَّيْء ثمَّ وكل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي مُسْند أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن الشّعبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة فقرن بنبوته إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث سِنِين فَكَانَ يُعلمهُ الْكَلِمَة وَالشَّيْء وَلم ينزل الْقُرْآن فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين قرن بنبوته جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنزل الْقُرْآن على لِسَانه عشْرين سنة عشرا بِمَكَّة وَعشرا بِالْمَدِينَةِ فَمَاتَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَأنكر الْوَاقِدِيّ وَغَيره كَونه وكل بِهِ غير جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ أَكثر مَا كَانَ فِي الشَّرِيعَة مِمَّا أوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على لِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله أَحْيَانًا جمع حِين وَهُوَ الْوَقْت يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير قَالَ الله تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} أَي مُدَّة من الدَّهْر قَالَ الْجَوْهَرِي الْحِين الْوَقْت والحين الْمدَّة وَفُلَان يفعل كَذَا أَحْيَانًا وَفِي الْأَحَايِين. وَالْحَاصِل أَن الْحِين يُطلق على لَحْظَة من الزَّمَان فَمَا فَوْقه وَعند الْفُقَهَاء الْحِين وَالزَّمَان يَقع على سِتَّة أشهر حَتَّى لَو حلف لَا يكلمهُ حينا أَو زَمَانا أَو الْحِين أَو الزَّمَان فَهُوَ على سِتَّة أشهر قَالُوا لِأَن الْحِين قد يُرَاد بِهِ الزَّمَان الْقَلِيل وَقد يُرَاد بِهِ أَرْبَعُونَ سنة قَالَ الله تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} أَي أَرْبَعُونَ سنة وَقد يُرَاد بِهِ سِتَّة أشهر قَالَ الله تَعَالَى {تؤتي أكلهَا كل حِين} قلت هَذَا إِذا لم ينْو شَيْئا أما إِذا نوى شَيْئا فَهُوَ على مَا نَوَاه لِأَنَّهُ حَقِيقَة كَلَامه قَوْله مثل صلصلة الجرس الصلصلة بِفَتْح الصادين الْمُهْمَلَتَيْنِ الصَّوْت المتدارك الَّذِي لَا يفهم أول وهلة. وَيُقَال هِيَ صَوت كل شَيْء مصوت كصلصلة السلسلة وَفِي الْعباب صلصلة اللجام صَوته إِذا ضوعف. وَقَالَ الْخطابِيّ يُرِيد أَنه صَوت متدارك يسمعهُ وَلَا يشْتَبه أول مَا يقرع سَمعه حَتَّى يفهمهُ من بعد وَقَالَ أَبُو عَليّ الهجري فِي أَمَالِيهِ الصلصلة للحديد والنحاس والصفر ويابس الطين وَمَا أشبه ذَلِك صَوته. وَفِي الْمُحكم صل يصل صليلا وصلصل وتصلصل صلصلة وتصلصلا صَوت فَإِن توهمت تَرْجِيع صَوت قلت صلصل وتصلصل. وَقَالَ القَاضِي الصلصلة صَوت الْحَدِيد فِيمَا لَهُ طنين وَقيل معنى الحَدِيث هُوَ قُوَّة صَوت حفيف أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة لتشغله عَن غير
الصفحة 40
332