كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
شمأل وإلحاق التَّاء لتأنيث الْجمع قلت إِنَّمَا قَالَ كَذَلِك حَتَّى لَا يظنّ أَنه جمع ملك لِأَن وَزنه فعل وَهُوَ لَا يجمع على فعائل وَلَكِن أَصله ملأك وَلما أُرِيد جمعه رد إِلَى أَصله كَمَا أَن الشَّمَائِل وَهِي الرِّيَاح جمع شمأل بِالْهَمْز فِي الأَصْل لَا جمع شمال لِأَن فعالا لَا يجمع على فعائل وَفِي الْعباب الألوك والألوكة والمالكة وَالْمَالِك الرسَالَة وَإِنَّمَا سميت الرسَالَة الألوكة لِأَنَّهَا تولك فِي الْفَم من قَول الْعَرَب الْفرس يألك اللجام ألكا أَي يعلكه علكا وَقَالَ ابْن عباد قد يكون الألوك الرَّسُول وَقَالَ الصغاني والتركيب يدل على تحمل الرسَالَة قَوْله وعيت من وعاه إِذا حفظه يعيه وعيا فَهُوَ واع وَذَاكَ موعى وَأذن وَاعِيَة (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله رَسُول الله مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول سَأَلَ وَقَوله الْوَحْي بِالرَّفْع فَاعل يَأْتِيك قَوْله أَحْيَانًا نصب على الظّرْف وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله يأتيني مُؤَخرا قَوْله مثل بِالنّصب قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ حَال أَي يأتيني مشابها صَوته صلصلة الجرس قلت وَيجوز أَن يكون صفة لمصدر مَحْذُوف أَي يأتيني إتيانا مثل صلصلة الجرس وَيجوز فِيهِ الرّفْع من حَيْثُ الْعَرَبيَّة لَا من حَيْثُ الرِّوَايَة وَالتَّقْدِير هُوَ مثل صلصلة الجرس قَوْله وَهُوَ أشده الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله فَيفْصم عطف على قَوْله يأتيني وَالْفَاء من جملَة حُرُوف الْعَطف كَمَا علم فِي موضعهَا وَلَكِن تفِيد ثَلَاثَة أُمُور التَّرْتِيب إِمَّا معنوي كَمَا فِي قَامَ زيد فعمرو وَإِمَّا ذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} والتعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ والسببية وَذَلِكَ غَالب فِي العاطفة جملَة أَو صفة نَحْو {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} و {لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن مِنْهَا الْبُطُون فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم} قَوْله وَقد وعيت الْوَاو للْحَال وَقد علم أَن الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا يجوز فِيهِ الْوَاو وَتَركه وَلكنه لَا بُد من قد إِمَّا ظَاهِرَة أَو مقدرَة وَهَهُنَا جَاءَ بِالْوَاو وبقد ظَاهِرَة والمقدرة بِلَا وَاو نَحْو قَوْله تَعَالَى {أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} وَالتَّقْدِير قد حصرت قَوْله مَا قَالَ جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول لقَوْله وَقد وعيت وَكلمَة مَا مَوْصُولَة وَقَوله قَالَ جملَة صلتها والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره مَا قَالَه وَاعْلَم أَن الْجُمْلَة لَا حَظّ لَهَا من الْإِعْرَاب إِلَّا إِذا وَقعت موقع الْمُفْرد وَذَلِكَ بِحكم الاستقراء فِي سِتَّة مَوَاضِع خبر الْمُبْتَدَأ وَخبر بَاب إِن وَخبر بَاب كَانَ وَالْمَفْعُول الثَّانِي من بَاب حسبت وَصفَة النكرَة وَالْحَال قَوْله وَأَحْيَانا عطف على أَحْيَانًا الأولى قَوْله الْملك بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله يتَمَثَّل قَوْله لي اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل أَي لأجلي وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى عِنْد أَي يتَمَثَّل عِنْدِي الْملك رجلا كَمَا فِي قَوْلك كتبت لخمس خلون قَوْله رجلا نصب على أَنه تَمْيِيز قَالَه أَكثر الشُّرَّاح وَفِيه نظر لِأَن التَّمْيِيز مَا يرفع الْإِبْهَام المستقر عَن ذَات مَذْكُورَة أَو مقدرَة فَالْأول نَحْو عِنْدِي رَطْل زيتا وَالثَّانِي نَحْو طَابَ زيد نفسا قَالُوا وَالْفرق بَينهمَا أَن زيتا رفع الْإِبْهَام عَن رَطْل ونفسا لم يرفع إبهاما لَا عَن طَابَ وَلَا عَن زيد إِذْ لَا إِبْهَام فيهمَا بل رفع إِبْهَام مَا حصل من نسبته إِلَيْهِ وَهَهُنَا لَا يجوز أَن يكون من الْقسم الأول وَهُوَ ظَاهر وَلَا من الثَّانِي لِأَن قَوْله يتَمَثَّل لَيْسَ فِيهِ إِبْهَام وَلَا فِي قَوْله الْملك وَلَا فِي نِسْبَة التمثل إِلَى الْملك فَإِذن قَوْلهم هَذَا نصب على التَّمْيِيز غير صَحِيح بل الصَّوَاب أَن يُقَال أَنه مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَأَن الْمَعْنى يتَصَوَّر لي الْملك تصور رجل فَلَمَّا حذف الْمُضَاف الْمَنْصُوب بالمصدرية أقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَأَشَارَ الْكرْمَانِي إِلَى جَوَاز انتصابه بالمفعولية إِن ضمن تمثل معنى اتخذ أَي اتخذ الْملك رجلا مِثَالا وَهَذَا أَيْضا بعيد من جِهَة الْمَعْنى على مَا لَا يخفى وَإِلَى انتصابه بالحالية ثمَّ قَالَ فَإِن قلت الْحَال لَا بُد أَن يكون دَالا على الْهَيْئَة وَالرجل لَيْسَ بهيئة قلت مَعْنَاهُ على هَيْئَة رجل انْتهى. قلت الْأَحْوَال الَّتِي تقع من غير المشتقات لَا تؤول بِمثل هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا تؤول من لَفظهَا كَمَا فِي قَوْلك هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا وَالتَّقْدِير متبسرا ومترطبا وَأَيْضًا قَالُوا الِاسْم الدَّال على الِاسْتِمْرَار لَا يَقع حَالا وَإِن كَانَ مشتقا نَحْو أسود وأحمر لِأَنَّهُ وصف ثَابت فَمن عرف زيدا عرف أَنه أسود وَأَيْضًا الْحَال فِي الْمَعْنى خبر عَن صَاحبه فَيلْزم أَن يصدق عَلَيْهِ وَالرجل لَا يصدق على الْملك قَوْله فيكلمني الْفَاء فِيهِ وَفِي قَوْله فأعي للْعَطْف المشير إِلَى التعقيب قَوْله مَا يَقُول جملَة فِي مَحل النصب على أَنه مفعول لقَوْله فأعي والعائد إِلَى الْمَوْصُول مَحْذُوف تَقْدِيره مَا يَقُوله قَوْله قَالَت عَائِشَة يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون مَعْطُوفًا على الْإِسْنَاد الأول بِدُونِ حرف الْعَطف كَمَا هُوَ مَذْهَب بعض النُّحَاة صرح بِهِ ابْن مَالك فَحِينَئِذٍ يكون حَدِيث عَائِشَة مُسْندًا وَالْآخر أَن يكون كلَاما بِرَأْسِهِ غير مشارك للْأولِ فعلى هَذَا يكون هَذَا من تعليقات البُخَارِيّ قد ذكره تَأْكِيدًا بِأَمْر الشدَّة وتأييدا
الصفحة 42
332