كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
يَطْغى وذلك أن فرعون كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا له سلطان في بلاد مصر طويل عريض، وجاه وجنود وعساكر وسطوة، فهاباه من حيث البشرية، وخافا أن يسطو عليهما في بادئ الأمر، فثبتهما تعالى وهو العلي الأعلى، فقال: قال لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى، كما قال في الآية الأخرى: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ، فَاتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ولا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وتَوَلَّى (48)، يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون، فيدعواه إلى اللّه تعالى، أن يعبده وحده لا شريك له، وأن يرسل معهم بني إسرائيل، ويطلقهم من أسره وقهره، ولا يعذبهم قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وهو البرهان العظيم في العصى واليد والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى تقيد مفيد بليغ عظيم، ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا:
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وتَوَلَّى أي كذب بالحق بقلبه وتولى عن العمل بقالبه.
وقد ذكر السدي: وغيره أنه لما قدم من بلاد مدين دخل على أمه وأخيه هارون وهما يتعشيان من طعام فيه الطفشيل، وهو اللفت، فأكل معهما ثم قال: يا هارون، إن اللّه أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي، فقاما يقصدان باب فرعون، فإذا هو مغلق، فقال موسى للبوابين والحجبة: أعلموه أن رسول اللّه بالباب فجعلوا يسخرون منه ويستهزءون به.
وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل. وقال محمد بن إسحاق: أذن لهما بعد سنتين، لأنه لم يك أحد يتجاسر على الاستئذان لهما، فاللّه أعلم. ويقال: إن موسى تقدم إلى الباب فطرقه بعصاه، فانزعج فرعون وأمر بإحضارهما فوقفا بين يديه فدعواه إلى اللّه عز وجل كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب: أن اللّه قال لموسى عليه السلام: إن هارون اللاوي، يعني من نسل لاوي بن يعقوب، سيخرج ويتلقاك، وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى