كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
فرعون، وأمره أن يظهر ما أتاه من الآيات، وقال له: إني سأقسي قلبه فلا يرسل الشعب، وأكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر، وأوحى اللّه إلى هارون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حوريب، فلما تلقاه أخبره موسى بما أمره به ربه، فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل، وذهبا إلى فرعون، فلما بلغاه رسالة اللّه، قال: من هو اللّه، لا أعرفه؟ ولا أرسل بني إسرائيل، وقال اللّه مخبرا عن فرعون: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (54) مِنْها خَلَقْناكُمْ وفِيها نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (55)، (طه).
يقول تعالى مخبرا عن فرعون إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلا: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى أي هو الذي خلق الخلق وقدر لهم أعمالا وأرزاقا وآجالا، وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له، فطابق عمله فيهم على الوجه الذى قدره، وعلمه لكمال علمه وقدرته وقدره، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الأعلى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3)، أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي الخلائق لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه، فلم عبد الأولون غيره وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما قد علمت، فهلا اهتدى إلى ما ذكرته القرون الأولى؟ قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك، ولا يدل على خلاف ما أقول، لأنهم جهلة مثلك كل شيء فعلوه مسطر عليهم في الزبر من صغير وكبير، وسيجزيهم على ذلك ربي عز وجل، ولا يظلم أحدا مثقال ذرة، لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتاب لا يضل عنه