كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي من القبط بموسى وهارون عليهما السلام، وقالوا له أيضا: وما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا أي ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسولنا، واتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد والسلطان الشديد، بل الشيطان المريد وتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ وقالوا أيضا يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم: إِنَّهُ مَنْ يَاتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيى (74) يقولون له: فإياك أن تكون منهم، فكان منهم ومَنْ يَاتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) أي المنازل العالية جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) فاحرص أن تكون منهم، فحالت بينه وبين ذلك الأقدار التى لا تغالب ولا تمانع، وحكم العلي العظيم بأن فرعون، لعنه اللّه، من أهل الجحيم، ليباشر العذاب الأليم، يصب من فوق رأسه الحميم، ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49).
والظاهر من هذه السياقات أن فرعون، لعنه اللّه، صلبهم وعذبهم رضي اللّه عنهم.
قال عبد اللّه بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة، فصاروا من آخره شهداء بررة. ويؤيد هذا قولهم: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ.
ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغلب الذى غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل، وأسلم السحرة الذين استنصروا ربهم، لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق، قال اللّه تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف: وقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ ونَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي