كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة والإذلال والتقليل لملأ بني إسرائيل، لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها، ويصولون على القبط بسببها، وكانت القبط منهم يحذرون، فلم ينفعهم ذلك، ولم يرد عنهم قدر الذى يقول للشيء كن فيكون وقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم: صار فرعون مذكرا، وهذا منه فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى عليه السلام وقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ورَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) أي عذت باللّه ولجأت إليه بجنابه من أن يسطو فرعون وغيره عليّ بسوء، وقوله: مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ أي جبار عنيد، لا يرعوي ولا ينتهي، ولا يخاف عذاب اللّه وعقابه، لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء، ولهذا قال في سورة غافر: وقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ورَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَاسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29)، وهذا الرجل هو ابن عم فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه خوفا منهم على نفسه، وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى، واللّه أعلم.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، والذى جاء من أقصى المدينة، وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم. قال الدارقطني: لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون، حكاه السهيلي. وفي تاريخ الطبراني:
أن اسمه خير. فاللّه أعلم.
والمقصود: أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه فلما هم فرعون، لعنه اللّه، بقتل موسى

الصفحة 115