كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

عليه السلام، وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه، خاف هذا المؤمن على موسى، فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب، فقال على وجه المشورة والرأي. وقد ثبت في الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر). وهذا من أعلى مراتب هذا المقام، فإن فرعون لا أشد جورا منه، وهذا الكلام لا أعدل منه، لأن فيه عصمة نبي، ويحتمل أنه كاشفهم بإظهار إيمانه، وصرح لهم بما كان يكتمه، والأول أظهر، واللّه أعلم. قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أي من أجل أنه قال ربي اللّه، فمثل هذا لا يقابل بهذا بل بالإكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام، يعني لأنه: وقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ أي بالخوارق التي دلت على صدقة فيما جاء به عمن أرسله، فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه: وإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ولا يضركم ذلك وإِنْ يَكُ صادِقاً وقد تعرضتم له يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أي وأنتم تشققون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به، فكيف بكم إن حل جميعه عليكم.
وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام، وقوله:
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرضت الدول للدين إلا سلبوا ملكهم، وذلوا بعد عزهم، وكذا وقع لآل فرعون، ما زالوا في شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به، حتى أخرجهم اللّه مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والنعمة والحبور، ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين، ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق البار الراشد التابع للحق الناصح لقومه الكامل العقل: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ أي عالين على الناس حاكمين عليهم فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَاسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا أي لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة والقوة والشدة لما نفعنا ذلك، ولا رد عنا بأس مالك الممالك قالَ فِرْعَوْنُ أي في جواب هذا كله ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى أي ما أقول لكم إلا ما عندي وما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ

الصفحة 116