كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13)، (الأنبياء)، ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر، وما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم، وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد اللّه وعبادته، وأن لا يشركوا به أحدا من بريته، وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان، أي من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل، ولهذا قال: ... فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ... أي وكذبتم في هذا، ولهذا قال: ... كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ... أي يردون حجج اللّه وبراهينه ودلائل توحيده، بلا حجة ولا دليل عندهم من اللّه، فإن هذا أمر يمقته اللّه غاية المقت، أي يبغض من تلبس به من الناس ومن اتصف به من الخلق ... كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)، قرئ بالإضافة وبالنعت وكلاهما متلازم، أي هكذا إذا خالفت القلوب الحق، ولا تخالفه إلا بلا برهان، فإن اللّه يطبع عليها: أي يختم عليها وقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37)، (غافر). كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن اللّه أرسله، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه، في قوله لهم ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ، وقال هاهنا: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ أي طرقها ومسالكها فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ويحتمل هذا معنيين:
أحدهما: وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً في قوله: إن للعالم ربا غيرى. والثاني: في دعواه أن اللّه أرسله. والأول أشبه بظاهر حال فرعون، فإنه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع، والثاني أقرب إلى اللفظ، حيث قال: فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى أي فأسأله هل أرسله أم