كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)
لا؟ وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً أي في دعواه ذلك، وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام، وإن يحثهم على تكذيبه، قال اللّه تعالى: وكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وقرئ: وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ قال ابن عباس ومجاهد يقول: إلا في خسار، أي باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا، أعني السماء الدنيا، فكيف بما بعدها من السماوات العلى، وما فوق ذلك من الارتفاع الذى لا يعلمه إلا اللّه عز وجل، وذكر غير واحد من المفسرين: أن هذا الصرح وهو القصر الذى بناه وزيره هامان له لم ير بناء أعلى منه، وإن كان مبنيّا من الآجر المشوى بالنار، ولهذا قال: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً.
وعند أهل الكتاب: أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه، ويطلب منهم كل يوم قسط معين، إن لم يفعلوه وإلا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة وأوذوا غاية الأذية، ولهذا قالوا لموسى: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَاتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط، وكذلك وقع وهذا من دلائل النبوة، ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه، قال اللّه تعالى في سورة غافر: وقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها ومَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40)، يدعوهم رضي اللّه عنه، إلى طريق الرشاد والحق، وهى متابعة نبي اللّه موسى وتصديقه فيما جاء به من ربه، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة، ورغبهم في طلب الثواب عند اللّه الذى لا يضيع عمل عامل لديه، القدير الذى ملكوت كل شيء بيديه، الذى يعطي على القليل كثيرا، ومن عدله