كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

حديث الفتون المتضمن قصة موسى من أولها إلى آخرها
قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي، في كتاب التفسير من سننه، عند قوله تعالى في سورة طه: وقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وفَتَنَّاكَ فُتُوناً: حديث الفتون حدثنا عبد اللّه بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني سعيد بن جبير، قال: سألت عبد اللّه بن عباس عن قول اللّه تعالى:
وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فسأله عن الفتون ما هو؟ فقال: استأنف النهار يا ابن جبير، فإن لها حديثا طويلا، فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذكّر فرعون وجلساؤه ما كان اللّه وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك، ما يشكون فيه، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان وعد إبراهيم، فقال فرعون: فكيف ترون؟ فأتمروا، وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه، ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل، يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، قالوا: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة الذي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر فتقل أبناؤهم، ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم، فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن تفتنوا بمن تقتلون، وتحتاجون إليهم، فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا تقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، فلما كان من قابل، حملت بموسى عليه السلام، فوقع في قلبها الهم والحزن، وذلك من الفتون يا ابن جبير، ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد، فأوحى اللّه إليها أن لا تخافي، ولا تحزني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت وتلقيه في اليم، فلما ولدت فعلت ذلك، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان، فقالت في نفسها: ما فعلت بابني لو ذبح عندي فواريته وكفنته، كان أحب إليّ من أن ألقيه إلى

الصفحة 166