كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

دواب البحر وحيتانه، فانتهى الماء به حتى أوفي عند فرضة تستقي منها جواري امرأة فرعون، فلما رأينه أخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهن: إن في هذا مالا، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا، حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت فيه غلاما، فألقى عليه منها محبة لم تلق منها على أحد قط، وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً: من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى، فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير، فقالت لهم: أقروه، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، حتى آتى فرعون فأستوهبه منه، فإن وهبه مني كنتم قد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فأتت فرعون فقالت: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ فقال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: (والذي يحلف به، لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته لهداه اللّه كما هداها، ولكن حرمه ذلك) فأرسلت إلى من حولها، إلى كل امرأة لها لأن تختار ظئرا، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس، ترجو أن تجد له ظئرا يأخذه منها، فلم يقبل، وأصبحت أم موسى والها، فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه، هل تسمعين له ذكرا؟ أ حي ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت ما كان اللّه وعدها فيه، فَبَصُرَتْ بِهِ أخته عَنْ جُنُبٍ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ، والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى شىء بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به، فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤرات: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12)، فقالوا: ما يدريك ما نصحهم؟ هل يعرفونه، حتى شكوا في ذلك، وذلك من الفتون يا ابن جبير، فقالت: نصحهم له، وشفقتهم عليه، ورغبتهم في صهو الملك، ورجاء منفعة الملك، فأرسلوها، فانطلقت إلى أمها، فأخبرتها الخبر، فجاءت أمه، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه، حتى امتلأ جنباه ريا، وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئرا، فأرسلت إليها، فأتت بها وبه، فلما رأت ما يصنع بها، قالت: امكثي ترضعي ابني

الصفحة 167