كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عز وجل، فإنه قال: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ يعني بذلك حابستين غنمهما، فقال لهما: ما خَطْبُكُما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليس لنا قوة تزاحم القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم، فسقى لهما، فجعل يغرف من الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء، وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما، وانصرف موسى فاستظل بشجرة فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)، واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا، فقال: إن لكما اليوم لشأنا، فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته فلما كلمه قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)، ليس لفرعون ولا قومه علينا من سلطان، ولسنا في مملكته ف قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَاجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) فاحتملته الغيرة على أن قال لها: ما يدريك ما قوته؟ وما أمانته؟ فقالت: أما قوته: فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة: فإنه نظر إلى حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم إني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين، فسري عن أبيها، وصدقها، وظن به الذي قالت، فقال له: هل لك إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) ففعل، فكانت على نبي اللّه موسى ثمان سنين واجبة، وكانت السنتان عدة منه، فقضى اللّه عنه عدته فأتمها عشرا - قال سعيد، هو ابن جبير فلقينى: رجل من أهل النصرانية من علمائهم، قال: هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا، وأنا يومئذ لا أدري، فلقيت ابن عباس، فذكرت ذلك له، فقال: أما علمت أن ثمانية كانت على نبي اللّه واجبة لم يكن نبي اللّه لينقص منها شيئا، وتعلم أن اللّه كان قاضيا عن موسى عدته

الصفحة 170