كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

الْغالِبِينَ (40)، يعنون موسى وهارون استهزاء بهما، فقالوا: يا موسى، بعد تريثهم بسحرهم: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قال: بل ألقوا، فألقوا حبالهم وعصيهم، وقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه، خيفة فأوحى اللّه إليه: أَنْ أَلْقِ عَصاكَ، فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها، فجعلت العصي تلتبس بالحبال حتى صارت جرزا على الثعبان أن تدخل فيه، حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته، فلما عرف السحرة ذلك، قالوا:
لو كان هذا سحرا لم تبلغ من سحرنا كل هذا، ولكنه أمر من اللّه تعالى آمنا باللّه وبما جاء به موسى، ونتوب إلى اللّه مما كنا عليه، فكسر اللّه ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وظهر الحق وبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119)، وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعوا للّه بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسى، فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا مضت أخلف من غده، وقال:
هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ فأرسل اللّه على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات، كل ذلك يشكو إلى موسى، ويطلب إليه أن يكفها عنه، ويوافقه على أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كف ذلك عنه أخلف بوعده ونكث عهده، حتى أمر موسى بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلا، فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا، أرسل في المدائن حاشرين، فتبعه بجنود عظيمة كثيرة، وأوحى اللّه إلى البحر: إذا ضربك موسى عبدي بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقة، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التقى على من بقي بعد من فرعون وأشياعه، فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصى، وانتهى إلى البحر وله قصيف، مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل، فيصير عاصيا للّه عز وجل فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ وتقاربا قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) افعل ما أمرك به ربك، فإنه لم يكذب، ولم تكذب، قال: وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه، ثم ذكر بعد ذلك العصى، فضرب

الصفحة 172