كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

دخلتموه فإنكم غالبون، ويقول أناس: إنهم من قوم موسى، فقال الذين يخافون من بني إسرائيل قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) فأغضبوا موسى، فدعا عليهم، وسماهم: فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم، حتى كان يومئذ فاستجاب اللّه له، وسماهم كما سماهم: فاسقين، فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلي ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا، وأمر موسى فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، فلا يرتحلون من محلة إلا وجدوا ذلك الحجر بالمكان الذي كان فيه بالأمس.
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم، وصدق ذلك عندى: أن معاوية سمع من ابن عباس هذا الحديث، فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل، فقال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به، ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك، فغضب ابن عباس، فأخذ بيد معاوية، فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري، فقال له: يا أبا إسحاق، هل تذكر يوم حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون، الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره. هكذا ساق هذا الحديث الإمام النسائي، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما من حديث يزيد بن هارون، والأشبه، واللّه أعلم، أنه موقوف، وكونه مرفوعا فيه نظر، وغالبه متلقى من الإسرائيليات، وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام، وفي بعض ما فيه نظر ونكارة، والأغلب أنه كلام كعب الأحبار، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك، واللّه أعلم.

الصفحة 176