كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

اللّه موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور، ويخاطبه ويناجيه ويأمره وينهاه، وهو واقف عند التابوت صامد إلى ما بين الكروبيين، فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه اللّه عز وجل إليه من الأوامر والنواهي، وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من اللّه فيه شيء يجيء إلى قبة الزمان ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين، فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك الحكومة، وقد كان هذا مشروعا لهم في زمانهم، أعني استعمال الذهب والحرير المصبغ واللئالئ في معبدهم وعند مصلاهم، فأما في شريعتنا فلا، بل قد نهينا عن زخرفة المساجد وتزيينها لئلا تشغل المصلين، كما قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لما وسع في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم للذي وكله على عمارته: ابن للناس ما يكنهم، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم. وهذا من باب التشريف والتكريم والتنزيه، فهذه الأمة غير مشابهة من كان قبلهم من الأمم، إذ جمع اللّه همهم في صلاتهم على التوجه إليه والإقبال عليه، وصان أبصارهم وخواطرهم عن الاشتغال والتفكر في غير ما هم بصدده من العبادة العظيمة، فللّه الحمد والمنة.
وقد كانت قبة الزمان هذه مع بني إسرائيل في التيه يصلون إليها، وهي قبلتهم وكعبتهم، وإمامهم كليم اللّه موسى عليه السلام، ومقدم القربان أخوه هارون عليه السلام، فلما مات هارون ثم موسى عليهما السلام استمرت بنو هارون في الذي كان يليه أبوهم من أمر القربان، وهو فيهم إلى الآن، وقام بأعباء النبوة بعد موسى وتدبير الأمر بعده، فتاه يوشع بن نون عليه السلام، وهو الذي دخل بهم بيت المقدس، كما سيأتي بيانه، والمقصود هنا: أنه لما استقرت يده على البيت المقدس نصب هذه القبة على صخرة بيت المقدس، فكانوا يصلون إليها، فلما بادت صلوا إلى محلتها وهي الصخرة، فلهذا كانت قبلة الأنبياء بعده إلى زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وقد صلى إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قبل الهجرة، وكان يجعل الكعبة بين يديه، فلما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس، فصلى إليها ستة عشر، وقيل: سبعة عشر شهرا، ثم حولت القبلة إلى الكعبة، وهي قبلة إبراهيم في شعبان سنة ثنتين في وقت صلاة العصر، وقيل: الظهر، كما بسطنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى:* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي

الصفحة 178