كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 1)

إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك، فاللّه أعلم، وقد قيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكر قومه بأيام اللّه، فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون إليه، فدعاه موسى عليه السلام، فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى، أما لئن كنت فضلت عليّ بالنبوة فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن، فلتدعون علي ولأدعون عليك، فخرج، وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعو؟ قال: أدعو أنا، فدعى قارون، فلم يجب في موسى، فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم، فقال موسى: اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم، فأوحى اللّه إليه: إني قد فعلت، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوي، فاستوت بهم الأرض. وقد روى عن قتادة أنه قال: يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن ابن عباس أنه قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا إسرائيليات كثيرة، أضربنا عنها صفحا، وتركناها قصدا.
وقوله تعالى: فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره، كما قال: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ (10) ولما حل به ما حل من الخسف، وذهاب الأموال، وخراب الدار، وإهلاك النفس والأهل والعقار، ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا اللّه تعالى الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون، ولهذا قالوا: لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82). وقد تكلم أهل العلم عن لفظ: (ويك) في تفاسيرهم.
وقد قال قتادة: ويكأن بمعنى: أ لم تر أن. وهذا قول حسن من حيث المعنى، واللّه أعلم، ثم أخبر تعالى أن الدَّارُ الْآخِرَةُ وهي دار القرار، وهي الدار التي يغبط من أعطيها، ويعزي من حرمها، إنما هي معدة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، فالعلو هو:
التكبر والفخر والأشر والبطر، والفساد هو: عمل المعاصي اللازمة والمتعدية من أخذ أموال

الصفحة 182